وسام عبدالله
على الرغم من البعد الجغرافي واختلاف أطراف الصراع بينهما، إلا أن قراءة المشهد الدولي يحتم النظر إلى الحرب الروسية الاوكرانية من جهة، والحرب الإسرائيلية على غزة من جهة أخرى، بالدور الأميركي في كل منهما.
تدرك واشنطن أن الساحتين مترابطتين، بهدف واحد دائم هو منع التمدد والحضور الصيني، إن كان بدور بكين كلاعب في الشرق الاوسط، مثل المصالحة الإيرانية والسعودية، والتقارب بين الفصائل الفلسطينية، أو من جهة تطوير علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع روسيا.
منذ تشرين الأول 2023، استمرت واشنطن في سياسة دعمها للاحتلال الإسرائيلي، وفق نهجها المتبع منذ لحظة تأسيس الكيان، فعلى عكس ما يشاع من وقف شحنات أسلحة أو تخفيضها، إلا أن الإدارة الأميركية لم تقطع المساعدات العسكرية عن تل أبيب، إنما حاولت إيهام الرأي العام أنها تمارس ضغطا على حكومة بنيامين نتنياهو لوقف إطلاق النار في غزة.
فالتصريحات الأميركية الرسمية تدعو للمفاوضات لإنهاء الحرب والوصول إلى حلول، لكن لو أراد الاميركي فعلاً إيقاف الحرب، لتمكن من وضع حدٍّ للعدوان الإسرائيلي، فصفقات التسليح لم تتوقف بينهما خلال الأشهر السابقة.
وتبنت أميركا الروايات الإسرائيلية حول عملية “طوفان الاقصى”، واعتبرت أن للاحتلال الحق في الدفاع عن نفسه، ووضعت الجلاد والضحية في الميزان ذاته، فلم نشهد إدانة واضحة لقصف المستشفيات والمدارس والمؤسسات الدينية، بل كانت التصريحات عبارة عن كلمات تهرب من قول الحقيقة.
هذا الأمر انسحب أيضا على الدور الأميركي في المنظمات الدولية، فمارسة، كعادتها، حق النقض “الفيتو” لمنع تمرير أي قرار يدين “إسرائيل” في مجلس الأمن، ورفضت القرارات الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية المتعلقة بتوجيه تهم ارتكاب “جرائم حرب” من قبل مسؤولين الإسرائيليين.
في المقابل، لم تقدم واشنطن للشعب الفلسطيني أي مساعدة إنسانية، فلم تساهم في فتح المعابر لإدخال الأدوية والغذاء للسكان المحاصرين، واخترعت فكرة “الجسر العائم” بحجة إدخال المساعدات، لكنه لم يحقق هدفها وتبين أنه قد يتحول لنواة لقاعدة عسكرية في المستقبل، إضافة لتقارير أممية تشير لاستخدامه من قبل قوات الاحتلال للدخول إلى القطاع عبر شاحنات المساعدات.
عدم وقوف واشنطن إلى جانب المدنيين في غزة، والصمت عن جرائم الاحتلال، لم يكن مشابها لموقفها من الحرب الروسية الأوكرانية، والتي عملت على دفع كييف إلى التورط بها بطريقة غير مباشرة، باستخدام أراضيها لمصلحة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
فقد أدانت الإدارة الأمريكية الهجمات الروسية ضد المدارس والمستشفيات والبنى التحتية في أوكرانيا، وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، أن استهداف موسكو لمستشفى “ماريوبول” هو “جريمة حرب”، لكن لم يصدر أي تصريح مماثل عن قصف “إسرائيل” لمستشفى الشفاء والمعمداني وقتل الطواقم الطبية والجرحى. في أوكرانيا، تريد أميركا من روسيا وقف حربها فورا، وتقدم الدعم لأوكرانيا، في حين تعرقل دخول الدواء إلى الفلسطينيين وتسهل استمرار آلة القتل الإسرائيلية.
وقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”، أن إجمالي الدعم العسكري الأمريكي الذي تم تقديمه لأوكرانيا خلال فترة رئاسة جو بايدن تجاوز 56.1 مليار دولار، وقد وقع الطرفان على اتفاق أمني طويل الأمد، هدفه بحسب نص الاتفاق “اعتباره دعما لجسر يؤدي إلى عضوية أوكرانيا في نهاية المطاف في حلف شمال الأطلسي”.
الحذر الأميركي في الشرق الاوسط من الدخول في حرب واسعة إقليمية، وليس معارك محددة، فهي تدخلت مباشرة في قصف اليمن، وتؤمن الدعم التقني والعسكري للاحتلال لاستهداف قيادات المقاومة في سوريا والعراق ولبنان. رغبتها بعدم دخولها في مستنقع جديد من الحروب لا تسعى إليه حاليا وعينها على الصراع مع الصين. بينما من الضفة الاوروربية، هي تريد إدخال موسكو في حرب طويلة الأمد ومنهكة مع أوكرانيا.