وسام عبد الله
في مشاهد التدمير التي يمارسها الاحتلال على لبنان، ندرك أن الأمر تجاوز المواجهة العسكرية مع حزب الله، إنما هي الرغبة بإبادة منطقة جغرافية كاملة، بشعبها وحضارتها وطبيعتها.
في الجغرافيا والتاريخ، ارتبطت منطقة جبل عامل بمحيطها الاجتماعي، هي الواقعة بين ريف دمشق والسويداء من الجهة السورية، وجنوبي جبل لبنان، وشمالي الجليل الفلسطيني، الموقع الذي جعلها ملتقى تجاري وعائلي وديني بين مختلف المكونات عبر مئات السنين. وامتداد جبل عامل نحو الجليل الأعلى، خلق بينهما دورة اقتصادية وثقافية متبادلة قبل تأسيس دولة لبنان الكبير عام 1920 وتقسيم الحدود بين لبنان وفلسطين.
فكانت الأسواق التجارية في حركة مستمرة، والتعارف والمصاهرة بين العائلات، والبعد الروحي العام للطائفة الشيعية التي خرجت أهم العلماء والذين كان لهم دور في الحوزات العلمية في العراق وإيران، حتى أن بعض الآراء التاريخية تقول أن شيعة جبل عامل هم من أعطوا ونشروا التشيّع في إيران.
فبين سهل حوران وراشيا والعرقوب والنبطية وصولا إلى عكا ونابلس، كان يفتح التبادل نحو الساحل اللبناني مثل صيدا وصور. لكن مع الانتداب الفرنسي وتليه الكيان الإسرائيلي، انقطعت صلة الوصل بين لبنان وفلسطين، ولم يبق حاليا إلا المقاومة ما يجمع بين ضفتي الجليل.
فمنذ عام 1948 والاحتلال يرتكب المجازر ويتعدى على السيادة اللبنانية انطلاقا من عدوانه على جنوب لبنان، في الحولة وعيتا الشعب وكفركلا، قبل التنظيمات الفلسطينية وحزب الله. ونتيجة كونه خط الدفاع الأول عن الداخل، أدرك الناس أهمية التمسك بأرضهم ومواجهة الاحتلال ومنع تهجيرهم، فحتى مع اجتياح 78 ثم 82، خلق سكان القرى والمدن حالات من المقاومة إن كان على المستوى الفردي أو المحلي أو ضمن الاحزاب السياسية.
فشكل جبل عامل، وجنوب لبنان بشكل عام، بيئة مقاومة أنتجت فصائل وأحزاب وشخصيات ضمن هذا المسار، وهو ما ساهم في منع ضم جزء من الاراضي اللبنانية للكيان الإسرائيلي، وقطع الطريق أمام التقسيم. فكانت المواجهات والتضحيات والانجازات.
ومنذ عام، وتحديدا قبل حوالي الشهر، يخوض الاحتلال عدواناً ممنهجاً وإبادة جماعية، على مستوى البشر والحجر، على كامل جنوب لبنان، بقصد إحداث فراغ اجتماعي وتغيير ديمغرافي بالضغط عليهم للاتجاه نحو الوسط والشمال، لمنع عودتهم وتدمير كل أشكال الحياة ومحاولة خلق توتر مع المجتمعات المضيفة لهم.
فالإبادة عبر تدمير المحاصيل الزراعية ومنع وجود تربة صالحة للزراعة، وتدمير المنازل والأبنية السكنية بهدف حرمان سكانها من العودة إليها لأبعد وقت، والأخطر هو القتل والتهجير واجتثاث كل معنى للحياة.
فالهدف بالنسبة للاحتلال، هو “معاقبة” هذه المنطقة، وامتدادا إلى البقاع والضاحية الجنوبية، لكونها شكلت الرادع أمام المشاريع التوسعية، فحين يكون الحديث عن إبعاد المقاومين، فهل ليسوا مقاتلين من محافظة أخرى، إنما هم أبناء القرى الجنوبية.