وسام عبد الله
اعتاد الاعلام على تداول مصطلح “سوريا المفيدة”، لدلالة على القسم الغربي الذي يشمل من حلب حتى دمشق باتجاه الساحل، فيما الجغرافيا والوقائع، تشير أن القسم الشرقي، يحمل فائدة مماثلة وربما أكبر.
شكل شرق سوريا الميزان الأساسي في وحدة البلاد أو تقسيمها، نتيجة التنوع الذي تضمه، من عرب وأكراد، ومن مختلف الطوائف الإسلامية والمسيحية، كما أن لموقعها الجغرافي السمة الأبرز، مع الحدود المشتركة مع تركيا والعراق، وغناها بالنفط والمحاصيل الزراعية ومرور نهر الفرات فيها، كلها عوامل جعلتها هدفا لمن يرغب بتفتيت البلاد.
وكون التاريخ، السياسي والاجتماعي في المنقطة الشرقية، يحمل تفاصيل لها تأثيرها على الواقع الحالي إلا أن المعطيات اليوم تفرض نفسها للبناء على الاحتمالات التي يمكن أن تتجه نحوها.
عام 2015 تأسست قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة، وتلقت دعما من الولايات المتحدة الأميركية، التي شكلت “التحالف الدولي” لمحاربة تنظيم داعش، وتحت ذريعة محاربة الارهاب، احتلت القوات الأميركية مناطق في شرق سوريا.
على الرغم من تعريف “قسد” لنفسها بأنها “تكتل عسكري وطني لكل السوريين يضم الأكراد والعرب والتركمان والسريان”، إلا أنها ظلت مرتبطة بالاكراد، مع وجود فصائل مقاتلة من مكونات أخرى، لكن المكون الكردي أعطاها الصفة الأشمل.
خلال السنوات التي تلت التأسيس، تمكنت “قسد” من محاربة “داعش”، بفعل الدعم الأميركي لها، مما مكنها من فرض سيطرتها على مساحات واسعة من شمال وشرق سوريا.
وفي عام 2019 أعلن عن هزيمة تنظيم “داعش”، مما وضعها في مرحلة تساؤلات عن مستقبلها، وسط طموحات كردية بتأسيس “حكم ذاتي”، في الشرق، مشابه لما هو في شمال العراق. هذه الطموحات واجهت عدد من التحديات، فالحكومة السابقة بدمشق، لم تقبل بحكم انفصالي، والذي ظهرت ملامحه عام 2016 بإعلان تأسيس الادارة الذاتية، كما أن الدولة التركية ترفض بشكل كامل وجود “إدارة ذاتية كردية” على الحدود معها جنوبا، الذي قد يدفع الاكراد لديها بالمطالبة بحكم ذاتي مماثل. إضافة لإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في ولايته الأولى، سحب معظم الجنود الأمريكيين مع الإبقاء على بعضهم لتأمين المنشآت النفطية في المنطقة التي تحتوي على احتياطي نفطي هام.
وبين تركيا وأميركا تكمن العقدة، فواشنطن حليفة أنقرة وشريكتها في “الناتو”، هي الداعم والممول الأساسي لـ “قسد”، وتركيا من الرافضين لوجد كيان سياسي كردي مجاور لها، تعتبره امتدادا لحزب العمال الكردستاني، وهو ما دفع الحكومة التركية لشنّ هجمات داخل الأراضي السورية، واحتلالها جزءا منها، بحجة مواجهة تمدد الاكراد نحوها، ولمنعهم من تحقيق أي إنجاز سياسي، ومنعهم من الوصول إلى الساحل عبر القرى في ريفي حلب وإدلب، حينها تصبح “دولة” تمتد من حدود العراق ومنفذها البحري على المتوسط.
دخلت “قسد” في اشتباكات مع قوات عشائرية عربية في ريف دير الزور، بشهر آب 2024، كما واجهت فصائل تابعة لإيران في الريف نفسه. مع الحذر الدائم، من ظهور مجموعات تابعة لـ “داعش”.
ومع تبدل الخارطة السياسية، وسقوط النظام السوري، وامتداد الفصائل المسلحة، التي حاربت “قسد” في منطق بريف حلب، تكون المنطقة الشرقية، دخلت في مرحلة تحول قد تؤدي إلى تقسيمها بحال تهيئة الميدان لذلك.
فكل تقارب أميركي – تركي، قد يساهم في منع التقسيم، وبحال الخلاف، ستحاول كل دولة دعم المجموعة المسلحة التي تمثلها على الأرض، دون أن ننسى العامل الروسي، وإن كان أقل تأثيرا، لكن لدى موسكو تواصلا مع الاكراد، فهي أول عاصمة تفتح ممثلية لهم في ذروة دعمهم للنظام السابق.
تسعى “قسد” مع توسع سيطرة “هيئة تحرير الشام”، على كل مؤسسات ومحافظات البلاد، أن تلاقيها في المنتصف، فقد أعلنت الإدارة الذاتية الكردية، عن رفع “علم الاستقلال” على كافة مؤسساتها في مناطق سيطرتها شمال شرقي البلاد.