وسام عبد الله
لم تعد الحياة مشابهة لما كانت عليه قبل عام، فكأن مسار المنطقة وبلدانها وحتى تفاصيل حياة شعوبها اليومية تبدل بشكل كامل، فمفهوم “الطوفان” بأنه انتقال من حالة إلى أخرى، لمسناه حقيقة.
فبعد مرور عام على عملية “طوفان الأقصى”، وانتهاج الاحتلال الإبادة الجماعية بحق سكان غزة، لم تعد الصورة محصورة فقط في حدود القطاع، إنما انتقلت إلى الضفة الغربية والاراضي المحتلة، وإلى الدول الاقليمية ومشاركة حركات المقاومة من خارج حدود فلسطين، وصولا إلى اتساع الحرب ودخول لبنان في مواجهة مباشرة مع همجية الاحتلال.
مفاهيم عديدة ترسخت لدى أذهاننا، منها، “المجتمع الدولي” وهمٌ ليس له وجود، إنما هي دولٌ تحت سلطة واشنطن، لا تتحرك إلا بحسب رأيها. فمن قال إن “أميركا على خلاف مع إسرائيل” كان يخدع الرأي العام، فالسلاح الذي تقصف بها بيروت أميركي وبموافقة أميركية، ولو أراد الرئيس الاميركي وقفها، لتمكن في لحظة واحدة. الكيان الاسرائيلي، في جوهره قابل للزوال والتفتت وعدم الاستقرار، ولكن ما يبقيه على قيد الحياة، هو ما وصفه به الباحث المصري عبد الوهاب المسيري “الدعم الاميركي لا محدود والصمت العربي لا محدود”، فهو القاعدة العسكرية الغربية المتقدمة في قلب الشرق الادنى.
الاحتلال لا يريد ولا يرغب في سلام عادل وشامل في المنطقة، فيكفي النظر في نقطتين. الاولى، أن العدوان على لبنان لم يكن نتيجة جبهة الاسناد التي فتحها حزب الله دعما لغزة، إنما هو حقد وثأر من الهزيمة التي لحقت به في التحرير عام 2000 وتموز 2006، فبدأ التحضير لسنوات، فما حدث خلال شهر أيلول، كان سيحدث لاحقا. النقطة الثانية، المستوطنون يجنحون نحو الحرب، فكل الاستطلاعات تؤكد أنهم يؤيدون القتل، ومقاطع الفيديو لاطفال يتعلمون الكره للعرب توحي بما هو مقبل من الاجيال.
في المجال العسكري، هذه الحرب بين قسمين، ما يمتلك الاحتلال من إمكانيات تقنية توظف لخدمته من قبل شركات التكنولوجيا العالمية، ليتمتع بقدرة الوصول إلى البيانات الشخصية وملاحقة الاشخاص وقتلهم عبر الذكاء الاصطناعي، وهو ما تفتقده حركات المقاومة. أما القسم الآخر فهو الالتحام المباشر مع المقاومين، الذي أثبت قوة الميدان والتخطيط بالنسبة لهم في إيقاع القتلى والجرحى في صفوف الاحتلال.
بعد عام، يفرض الواقع الفلسطيني نفسه بضرورة توحيد الرؤية أو الوصول إلى مصالحة حقيقية بين الفصائل. فلو كان هناك رأي واحد، وتوجه متناسب فيما بينها، لتمكن الشعب الفلسطيني من كسب مراحل هامة، في العسكر والسياسة.
أرقام الشهداء والجرحى في فلسطين والبنان إلى ارتفاع، وخاصة في غزة حيث هناك المئات لم يعرف مصيرهم، ولدى الاحتلال تعتيم على مشاهد الدمار وعدد القتلى. نتنياهو لديه ما يخفيه في سياسته، وليس ما يقوله، فهو يريد التدمير ولا يريد إعادة الاسرى، فهو يريد تغيير الشرق الاوسط، وليس إعادة “سكان” الشمال.
من الصعب تحديد رؤية واحدة للايام المقبلة والمستقبل، فكل ما حدث قبل عام في صباح السابع من تشرين الاول، وما حدث خلاله وتحديدا في التحول الكبير في جبهة لبنان في شهر أيلول، لم يتوقعه أحد، إنما كانت سيناريوهات وتحذيرات من وحشية العدو. وما سيأتي، إن كان هدنة أو وقف إطلاق نار أو تسوية، مهما تبدل شكله، فهناك أمر واحد تأكد أن المنطقة دخلت في مرحلة مختلفة، صعبة وقاسية، بالسياسة والسلاح والاقتصاد. أما الافراد والشعوب، إن كانوا في الاقليم أو باقي المجتمعات، فهناك ما تبدل لديهم، وإن كنا مانزال في قلب الحرب، فحين يختفي الرماد، سنعلم أكثر عن التحول في أفكارنا وشخصيتنا، عن حجم الدمار والالم، ومدى القدرة على مواجهة احتلال لا يريد التوقف عن قتلنا.