وسام عبد الله
ماذا أراد الإسرئيلي تحقيقه في استهدافه أربع مدن لبنانية، بمعظمها يحمل إرث تاريخيا إنسانيا؟، ليس الأمر متعلقا بالحرب أو ذريعة تدمير البنية التحتية لحزب الله، الجواب في توصيف كتبه تيودور هيرتزل، يوضح فيه أحد أسباب الاستيطان في فلسطين بقوله، ليكون “رسولاً للحضارة الأوروبية وقيمها في وسط الشرق الهمجي والمتخلف”.
في الواقع، ليس لوصف مؤسسة الحركة الصهيونية أي وجود، ولإثبات هذا الشعار، كان مسار تدمير كل القرى والمدن، بناسها وحضارتها، وتفريغها من هويتها، ليكون الهدف متناسبا مع الواقع المفتعل، وهو ما شهدناه في فلسطين، وما نشهده في العدوان الأخير على لبنان. فاستهداف صور وبعلبك، جزء من سلسلة “عقدة النقص”، التي يحملها الإسرائيلي في سلوكه مع الآخر.
يبرز التناقض والفجوة، بأن من يمتلك أقوى أدوات التكنولوجيا والاعلام والمال، والتي مكنته من ممارسة مذبحة يومية دون أي عقاب، هو في الوقت ذاته، يشعر بالدونية والحاجة لتدمير كل مختلف عنه. وهنا خطورة المشروع الإسرائيلي، عقلية دونية تحوّل التقنيات لأداة قاتلة، لإرضاء نفسها. السرد هنا ليس بمعنى “تفوق العنصراللبناني” على غيره، إطلاقا، إنما لتوضيح السياق الذي يعمل عليه الإسرائيلي لتنفيذ مشروعه داخل بلادنا.
في الأسابيع الأخيرة من العدوان استهداف الاحتلال اربع مدن رئيسية، صور والنبطية وبعلبك والضاحية الجنوبية لبيروت، لتحقيق عدة أهداف.
أولها، استهداف منطقة جغرافية وسكانية تعتبر ذات أكثرية شيعية، وليس كلها، بهدف تقليب الرأي العام ضد المقاومة، ومحاولة تدفيعها ثمن تأييدها لها. ثاني الأهداف، تهجيرها من بيئتها، لخلق واقع ديمغرافي جديد على المدى البعيد في لبنان. الهدف الثالث، إنهاك الدولة اللبنانية في مسألة إعادة الاعمار، في سنين تعيش فيها أزمة اقتصادية. رابعا، إنهاء المراكز الحضارية والأساسية في محافظتي الجنوب والبقاع وخاصرة بيروت. وخامسا، استهداف القطاع الثقافي والسياحي، لمدن حملت كل المقاومات السياحية وتمكنت من النهوض والاستمرار رغم الازمة المالية.
من يحمي المدن من الهمجية الإسرائيلية؟ لا أحد، وبنظرة عامة، الاونيسكو تضع معايير لحماية المعالم التراثية في كافة دول العالم، فمن يحمي الآن أي دولة في العالم، من هجمة مماثلة ضدها، من مجموعة أو حكومة معادية لها، بعد أن أعطى السلوك الإسرائيلي التبرير للتدمير دون محاسبة؟.