وسام عبد الله
في الهمجية الإسرائيلية، كل القرى والبلدات والمدن متشابهة، جميعها تحت القصف والحقد، فلا أفضلية لواحدة على أخرى تحت النار، وتبقى لكل منها، رمزيتها وحضورها في المجتمع اللبناني، ومنها مدينة صور جنوبي لبنان.
ارتبط اسم المدينة خلال السنوات الماضية، بشاطئها النظيف والمحمي طبيعيا والمفتوح لكل فئات الناس، ولكن هو يعد نتيجة وليس سببا لأهمية صور. فالمجتمع استطاع أن يقدم نموذجا مهما في الحياة الواحدة، فكان أقوى وأكثر تماسكا، فالاحزاب هي التي لحقت به وواكبته في المحافظة على تنوعه.
صاغت صور هويتها، بين المدينة المفتوحة على التنوع والنشاطات، مع الحفاظ على تراثها وحضارتها التي تعود لنحو أربعة آلاف عام. مع الزمن أصبحت صور نموذجا، يتمنى الناس أن يعمم على كافة المدن والمجتمعات، في حرية الانسان على ممارسة طقوسه وحياته اليومية، دون المساس بالحق العام. وهي كغيرها من المدن، الازمة الاقتصادية منذ عام 2019، انعكست سلبا عليها، إلا أنها سعت لإعادة حركتها المالية والاجتماعية من خلال قدرتها الذاتية، قدرة أبنائها، المقيمين والمغتربين.
فالمدينة الساحلية تعتبر مهنة الصيد من أهمها، والتي يعتمد عليها المئات من العائلات، كما يعمل سكانها بالزراعة في الحقول والبساتين المنتشرة حولها وامتدادا نحو الجنوب. تنشط فيها الفعاليات الثقافية، ويعيش قطاع السياحة بحيوية مع وجود خيارات متعددة للزائر، من الاماكن الاثرية والمطاعم والفنادق والشاطئ الرملي.
العدوان الإسرائيلي على صور، هو اغتيال لكل تلك المقومات التي تراكمت وتفاعلت على مدى مئات السنين، هي النموذج القريب من حدود فلسطين المحتلة، والمناقض تماما للاحتلال وقوميته الدينية. هو اغتيال للمدينة، بمعناها الحقوقي والحضاري، والبعيد عن الفوضى، وهو ما لا ترغب به “إسرائيل” أن يكون في لبنان، إنما حروب طائفية مذهبية وتقسيم.
وهنا تكون صور، مدينة مقاومة، لا القائمة على رد الفعل ضد المحتل، إنما التي تبني مقاومتها كفعل وبناء واستمرارية. فالغارات على أحياء المدينة وتدميرها، هو جزء من الحرب على لبنان، كهوية وليس لنزع السلاح كما يزعم الاحتلال.
يختصر الشاعر اللبناني الراحل عصام العبد الله، علاقة صور بجنوب لبنان، بقصيدة من أبياتها “مِشْ هَيْكْ بِدْيِتْ صُورْ..الْقُصَّه بَسِيْطَه وْوَاضْحَه..كَانْ في جَبَلْ..إسْمُو جَبَلْ عَامِلْ..عَمْ يِشِتْغِلْ عِزِّ الضُّهُرْ..بَيْنِ الصَّخِرْ وِالْمَرْجَلِه..بَيْنِ الْعُمُرْ وِالْمَرْحَلِه..عَمْ يِشِتْغِلْ عِزِّ الضُّهُرْ..عُطِشِ الجَبَلْ!..بِيْمِدّْ إِيْدُو عَ الْبَحِرْ!..هَايْ صُورْ!!..كَفِّ الْجَبَل..لَمَّا الْجَبَلْ..عَطْشَانْ أَوْ مَقْهُورْ”.