وسام عبد الله
في شهر واحد دخل المجتمع السوري في نقاش حول المصطلحات والمفاهيم، المدنية والدينية، كأنه جماعة أمام باب مكتبة، فتحت أبوابها، فدخلوا دفعة واحدة، ونتيجة الابتعاد عن الكتاب، بمعناه العميق، غياب الحوار الانساني، فكان الظن أن الكتاب\الرأي الواحد هو الحقيقة المطلقة، وهذا ما يناقض الطبيعة البشرية في رغبتها بالفضول للتعرف على الآخر، والمكاشفة الذاتية لكل فرد.
اعتاد النظام السابق الترويج لمفهوم الأولويات، فلا حاجة للنقاش بالحريات السياسية فنحن بحالة حصار اقتصادي، ولا حاجة للحوار الفكري الديني لأنه سيؤدي إلى نعرات طائفية. فتم تأجيل كل النقاشات وتكديسها. نتيجة غياب الحوار، اضطر الناس الاعتماد على اسلوب التعميم، فالانسان بحاجة في المرحلة الاولى من العلاقة، لاعطاء هوية للآخر حتى يتعامل معه على أساسها، فأصبح الاعتماد على الشكل الخارجي، فالسيدة المحجبة نحكم عليها بمسار ديني محدد، بينما حياتها الخاصة مختلفة عن تصوراتنا. وفي سنوات العشر الماضية، اعتمد الناس الاولويات ذاتها، فما نفع الفن والسياسية ونحن بحاجة للكهرباء. فمن يحدد الاولويات؟، من المؤكد أن لكل شخص حاجات خاصة، ولكن لا أحد يملك حق حصر الاولويات والنقاشات ضمن إطار معين، لانه يتحول مع الوقت إلى دكتاتورية جديدة.
تدور النقاشات في “المحرمات” الثلاث، السياسية والدين والجنس، حول الدولة المدنية والدينية، وحقوق المرأة وحريتها، العلاقات بين الطوائف، الحياة الحزبية وتداول السلطة، الدكتاتورية السابقة والتخوف من الأيام المقبلة. ظهر التنوع الفكري في المجتمع السوري. فحين نشرت التعديلات على المناهج الدراسية، ظهرت آراء مختلفة حول التعامل معها، هل يحق للإدارة الحالية إجراء التعديل؟، وقراءة في جوهر التعديلات، فحين كان التعديل بأن كلمة “الضالين” المذكورة في سورة الفاتحة برأيهم، تدل على (اليهود والنصارى)، انتشر مقطع فيديو وقراءة للشيخ محمد راتب النابلسي، أحد أشهر المراجع الدينية في سوريا، والمعارض للنظام السابق، بأن الكلمة تدل على الانسان الذي ضل طريق الايمان وليس المقصود به فئة معينة. ما ظهر على السطح، البعض يراه في لحظة أولى مستغرب، ويحمل تساؤلات حول المستقبل، لكن في ناحية أخرى هو ضروري وصحي. فالعديد من المصطلحات والمفاهيم بحاجة لاعادة قراءة وتقويم. وليس “البعث” وحده من يتحمل المسؤولية، إنما أيضا الترويج الاعلامي السياسي الغربي لمفاهيم محددة لتشويهها، مثل الاسلاموفوبيا.
كل العناوين قابلة للقراءة بأشكال مختلفة، فمن قال أن هناك علمانية واحدة في العالم؟، فالتجارب متنوعة داخل الدول الاوروبية، وهي لا تشبه التجربة الاميركية في بناء النظام الفدرالي، ولا تتلاقى مع الدول ذات الاغلبية المسلمة مثل أندونيسا وماليزيا التي بنت أنظمة مدنية، ولا النظام التركي الذي استطاع استيعاب الاحزاب العلمانية والدينية ومنحها الفرصة بتداول السلطة. نحن لا نحكم على الافكار بناء على القراءة وجلسات النقاش، إنما على المشاهدات اليومية، فالنظام الاسلامي هو “داعش”، والدولة العلمانية “متوحشة” ضد الايمان.
النقاش السياسي يتطلب أحزاب وجماعات ومنظمات، فسوريا ليست افكار حزب البعث فقط، ونحن بحاجة إلى مفاهيم جديدة، فالتيارات السياسية موجود قبل النظام السابق وبعده، مثل الافكار اليسارية والشيوعية والسوري القومي الاجتماعي والناصرية، كما أن التيارات الفكرية الدينية حيزها واسع من دمشق إلى الحسكة، في الطوائف والمذاهب، وفي المجتمع السوري المؤمن وغير المؤمن، ومع الخبرات في الخارج تكون للمغتربين السوريين آراء متجددة، في العمل المدني والمشاريع الاقتصادية.