وسام عبد الله
ليس جديدا على المجتمع اللبناني الحديث الدائم عن خطورة الهجرة والتهجير، التي تكون لأسباب داخلية أو لمشاريع خارجية، والتي تشير إلى تغيير ديمغرافي ينعكس على الهوية والعلاقات الاجتماعية وبنية الدولة.
وخلال أكثر من مئة عام، طرحت مشاريع ومغريات على مختلف الطوائف والاقليات في لبنان، لنقلهم وإعادة توزيعهم في بلدان أخرى، وهي جزء من مشاريع تهجير على مستوى المنطقة. وخطر الهجرة ليس حكرا على طائفة واحدة، فالقول أن عدد المسيحيين في انخفاض، صحيح، كونهم أصبحوا الاقل عددا من حيث الولادات، ولكن كل الطوائف تعاني من أزمة هجرة تخلق فجوة عمرية في المجتمع، بين تحت 18 عاما، وأعمار فوق الستين، وما بينهم خارج البلاد.
على مستوى الموارنة، عملت فرنسا خلال القرن التاسع عشر، وبالتعاون مع بعض رجال الدين والسياسيين الموارنة، على صياغة أفكار لإمكانية تهجير الطائفة المارونية من لبنان باتجاه بلدان أخرى. وقد أوضح كتاب “تهجير الموارنة إلى الجزائر”، للكاتب اللبناني سركيس أبو زيد، تسعة مشاريع تهجير امتدت من العام 1845 إلى العام 1867.
منها مشروع الكاتب السياسي لويس بوديكور عام 1847، الذي عمل على تشجيع المسؤولين الفرنسيين على إقامة مستعمرات مارونية في الجزائر. فأسس شركة تجارية تقيم على حسابها عائلات مارونية في داخل الجزائر، وقد شجع وبارك البابا بيوس التاسع هذا المشروع، فسجل لنفسه عشر حصص في “شركة إفريقيا والشرق” التي تأسست في مرسيليا ومن أهدافها استعمار المسيحيين في إفريقيا وتوطين الموارنة.
وكان اقتراح بوديكور يقوم على تأسيس دير للرهبان إلى جانب كل مستعمرة، فحسب رأيه أن توطين الموارنة في الجزائر سوف تدرب الجزائريين على الحياة الحديثة مما يحررهم من التنظيم الإقطاعي.
أما مشروع الأب جان عازار، هو الوكيل العام لمطران صيدا، والذي وجه عام 1850 رسالة إلى وزير الحربية الفرنسي، يذكر فيها إقامة مستعمرات مارونية في إفريقيا، فتكون التجربة الأولى بنقل 100 عائلة مارونية، في مقابل حصولهم على تسليفات بسيطة تُعاد إلى الخزينة الفرنسية لاحقا من العائلات المارونية التي سيتم توطينها.
وتكرر الأمر بعد عامين مع الأمير أسد شهاب، الذي تقدم عام 1852 بطلب إلى قنصل فرنسا في بيروت يُبدي فيه استعداده لنقل فلاحين موارنة على نفقته بصفة مستوطنين إلى الجزائر.
إضافة إلى مشروع الكونتيسة كليمانس من بروسيا التي دعت وزير الحربية الفرنسية عام1860 إلى وضع الموارنة في القرى الجزائرية التي تغيب عنها اليد العاملة الأوروبية.
وقال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط، أن “هناك مشروعا قديما جديدا من أيام الانتداب الفرنسي قبل أن تولد إسرائيل لترحيل شيعة لبنان من جبل عامل إلى العراق، ولا تزال هذه الأفكار قائمة”، وهو يأتي في سياق التحذيرات السياسية من إمكانية تهجير النازحين اللبنايين نتيجة العدوان الإسرائيلي على مناطق توزعهم في لبنان، باتجاه محافظات أخرى أو بلد آخر وتحديدا العراق. وكلما طال أمد الحرب، زاد خطر البقاء في بلدان النزوح، مما يجعلهم يتأقلمون مع المجتمعات الجديدة.
مشاريع التهجير والتوطين في المنطقة تشمل أيضا الفلسطينيين والسوريين، فالفلسطيني مهدد بتوطينه في لبنان أو تهجيره من الضفة الغربية نحو الأردن ومن غزة نحو سيناء أو نقلهم إلى صحراء الانبار العراقية، والنازح السوري مهدد بتركه دون حل والابقاء عليهم في بلدان اللجوء مثل لبنان وتركيا والاردن.