وسام عبد الله
فرضت عملية “طوفان الاقصى” وما تلاها من فتح جبهات إسناد من لبنان واليمن والعراق باتجاه الاراضي الفلسطينية المحتلة، ثم استهداف ايران الكيان الاسرائيلي بالمئات من المسيّرات، خطابا جديدا في التعاطي السياسي والاعلامي الاسرائيلي مع الحدث.
فخلال السنوات السابقة، شنّ الاحتلال العديد من العمليات مستهدفا المقاومة والمراكز العسكرية داخل سوريا والعراق، وكانت البيانات الرسمية التي تصدر إن كان من دمشق أو طهران، تؤكد أن الرد سيكون في الزمان والمكان المناسبين، وهو ما اعتبر من خصومهم مجرد شعار مكتوب على الرسائل الموجهة لمجلس الامن الدولي، دون فعل حقيقي في الميدان. وينسحب الامر على مصطلح “الصبر الاستراتيجي” الذي تستعمله إيران في حساباتها بالرد، ما اعتبر أيضا مجرد مراوغة بينما هناك اتفاق ايراني اميركي تحت الطاولة.
وفي فلسطين، حين تعرض حي الشيخ جراح بالقدس إلى محاولة تهجير أهله وهدم منازلهم، اعتبر المتابعون أن على حركة حماس فتح جبهة غزة لاسنادهم، ومع تأخرها اعتبرت أنها دخلت في العملية السياسية بعيدا عن العمل العسكري. وحتى مع تنفيذ الحركة عملية “سيف القدس” وصفت من قبل المهتمين بالشأن العام بأنها لتشتيت الانظار عن القدس.
عملية تسخيف الانجازات ليست بجديدة، فحتى مع تحرير جنوب لبنان عام 2000، يضع البعض الأولوية في تحقيقه إلى الدور الالماني في الضغط على اسرائيل، والتقليل من عقود طويلة من المقاومة التي بدأت من جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية واستمرت مع المقاومة الاسلامية.
ومع الرد الايراني على استهداف قنصليتها في دمشق، وإطلاقها المسيّرات والصواريخ باتجاه الاراضي المحتلة، بدأ التعاطي مع الحدث وكأنه مجرد “مسرحية “، مستندين إلى معرفة الاميركي والاسرائيلي بلحظة إطلاق الصواريخ ونشره في الاعلام من قبل وسائل اعلام اسرائيلية. فالخصوم، بدّلوا من فكرة “طهران لن ترد”، وأنها لن تستهدف اسرائيل وإنما ستستعين بحلفائها في المنطقة، وحين تمت العملية من الاراضي الايراني دون تدخل الحلفاء، وصفت بأنها من دون جدوى ومتفق عليها. والسؤال، هل يحتاج إخراج تلك المسرحية إلى إطلاق المسيّرات، والرد عليها بوضع الجيوش الاميركية والفرنسية والبريطانية والاردنية نفسها بخدمة إسقاطها، في حين كانت يمكن إطلاق صاروخ واحد اتجاه مكان محدد بدل هذا الكم الكبير من الطائرات؟.
وبعد العملية خرج المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي قائلا ” سنرد على إيران في التوقيت والمكان المناسبين “، فيما قال إيهود باراك، رئيس الحكومة الاسرائيلية الاسبق ” الآن ما نحتاجه هو التفكير قبل اتخاذ إجراء واعتماد نوع معين من الصبر الاستراتيجي”.
المصطلحات تشير إلى الواقع الميداني، مع قدرة المقاومة على فرض معادلة ردع مختلفة، بأن الرد سيكون داخل اسرائيل وليس فقط الاكتفاء بالتصدي لصواريخها، وأن ضبط العملية العسكرية كان هدفه عدم جرّ المنطقة إلى حرب شاملة يريدها الاسرائيلي لحرف الانظار عن غزة، فكانت العملية دقيقة بعيدا عن الشعارات.