وسام عبد الله
خلال العقود الماضية روّج الإعلام الغربي لنفسه بأنه “مدرسة” في المهنية والموضوعية بنشر الأخبار والتحقيقات الصحفية، بعيداً عن التحيّز لطرف ضد آخر، ونتيجة التسويق الإعلامي والتعاطي معه بأن كل ما يصدر عنه حقائق مثبتة، تمكنت مؤسساته، أن تمرر رسائل سياسية وتقارير كاذبة لتوجيه الرأي العام نحو أهداف خاصة بالدول التابعة لها.
آخر فصول تلك الأكاذيب ما نشرته صحيفة “تلغراف” البريطانية، عن تخزين حزب الله لأسلحة وصواريخ إيرانية في مطار بيروت الدولي، عبر مقال صحفي، بعيد عن المهنية، في اعتماده على مصادر غير موثوقة، وزجه اسم الاتحاد الدولي للنقل الجوي، الذي أصدر بيانا نفى فيه علمه بما ورد في التقارير. ويأتي هذه المقال في سياق الحرب النفسية على لبنان، وردا على تحذيرات أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله لقبرص من فتح مجالها الجوي لتوجيه ضربات عسكرية في حال توسعة الحرب جنوبا، والتي أراد منها إيصال رسالة إلى بريطانيا التي تمتلك السيطرة على القواعد العسكرية في الجزيرة. فما كان من لندن إلا أن حاولت الرد عبر الصحيفة بزج مطار بيروت في حرب التهديدات المتبادلة.
وتتماهى صحيفة “تلغراف” البريطانية مع السياسة الاميركية والاسرائيلية، حيث نشرت مقالاً بعنوان “الأمم المتحدة تخذل إسرائيل مجدداً”، في انحياز واضح وعلني مع الاحتلال ضد الدول التي صوتت للإعتراف بدولة فلسطين.
ومن أخطر الأدوار التي لعبتها صحيفة “التلغراف” حين تبنت الإدعاء الاسرائيلي بأن مستشفى الشفاء في قطاع غزة، يضم مركزا لقيادة حماس التي تخفي فيها أسلحة ومقاتلين، ليكون جزءا من مسار تبرير قصفه وارتكاب مجزرة بحق المدنيين فيه لاحقا.
الاعلام الغربي، وتحديدا البريطاني والأميركي، له سجلٌ حافل بالتجاوزات والأكاذيب التي شوّهت الحقائق، وأعطت الذرائع أمام شعوبها، لشنّ الحروب وتنفيذ المجازر بحق المدنيين في مختلف دول العالم.
فالعراق أكثر النماذج وضوحاً، فصحيفة “الغارديان” البريطانية عملت على تشويه الحقائق والترويج لأكاذيب رئيس الحكومة البريطاني طوني بلير، تحت عنوان “لماذا يجب أن نذهب إلى الحرب؟”. فركزت الصحيفة في سياستها التحريرية على إظهار دموية الرئيس العراقي صدام حسين وما يعانيه الشعب العراقي في ظل حكمه، وضرورة مساعدتهم للتخلص منه كونه يشكل أيضا خطراً على العالم والقيم الانسانية. وخلال سنوات الغزو للعراق، تجاهلت الصحف عدد الضحايا من الشعب العراقي نتيجة القصف البريطاني الاميركي لهم بشكل عشوائي.
وبحال سعى أحد الصحفيين لكشف زيف الإدعاءات تتم محاربته، كما حصل عام 2004 مع محرر صحيفة “الديلي تلغراف” بيرس مورغان، حين نشر صور توثق معاملة الجنود البريطانيين البشعة لسجناء العراق، فتم إدانته بذريعة أن نشرها خطر على أمن الجنود، حتى وصف فعله بأنه “خيانة ضد الدولة” وتم طرده بضغط أميركي من عمله.
ولأن الغرب ما يزال لديه حساسية اتجاه الحكم النازي والويلات التي مرت بها أوروبا خلال الحروب العالمية، تحاول دائما المقارنة بين أدولف هتلر وكل جماعة سياسية أو دولة تريد تبرير الحرب عليها، وهو ما عملت عليه صحيفة “ذا صن داي” البريطانية بالترويج بأن صدام حسين هو شبه هتلر في الخطر على العالم، ويجب القضاء عليه كأننا في مواجهة بين “الخير والشر”.
وفي مجال تسخير المصطلحات لأهداف عدوانية، تبنى الاعلام الغربي رواية الاحتلال الاسرائيلي بشكل كامل فيما يتعلق بعملية “طوفان الاقصى” التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، عبر المقارنة بين حركة حماس وتنظيم “داعش”.
فتحدّثت مراسلة قناة “سي إن إن” سارة سيدنر، عن “قطع رؤوس أطفال واغتصاب نساء”، نفذها مقاتلي حماس بحق المستوطنين، وهذا الخبر انسحب على خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن، بتوصيفه ما حدث في غزة. لتثبت بوقت لاحق عدم تأكدها مما تم نشره، دون محاسبة لها.
وكما حال كل صحفي يرفع صوته لقول الحقيقة، بالإقصاء والتضييق، كان مصير رسام الكاريكاتير ستيف بيل، في صحيفة “الغارديان”، التي قامت بطرده على الرغم من عمله معها منذ أربعين عاما، وذلك لرسمه كاريكاتير اعتبرته الصحيفة مسيئاً لرئيس وزراء الإحتلال بنيامين نتنياهو.