وسام عبد الله
قبل السابع من تشرين الاول 2023، وفتح حزب الله جبهة الإسناد من جنوب لبنان، كانت الأجواء توحي بأنه في حال اندلاع حرب مع الاحتلال الإسرائيلي ونزوح سكان القرى والمدن الجنوبية نحو الداخل، فلن يكون هناك حاضنة شعبية لهم وسيقابلون بالرفض من قبل مختلف المناطق اللبنانية.
هذه الأجواء عززها ما يرصد على مواقع التواصل الاجتماعي، من احتقان واتهامات متبادلة بالتخوين، فكأن الحرب الأهلية هي مسألة وقت فقط، بانتظار لحظة داخلية تفجرها. كما يسجل التصريحات السياسية من قبل المسؤولين وقادة الاحزاب والناشطين، التي حولت البرامج الحوارية إلى منابر صراع دون معنى ولا فائدة، سوى انعكاس سلبي على الشارع اللبناني.
خلال السنة الماضية، قبل شهر أيلول، لم تسجل موجة نزوح كبيرة، إنما اقتصرت على أهالي قرى المواجهة المباشرة مع الاحتلال، والذين انتقلوا إلى القرى المجاورة لهم أو إلى مدن مثل صور وبيروت، وتوزعوا بين مراكز الايواء والمنازل. لكن مع العدوان الإسرائيلي بعد منتصف أيلول، شكّل نزوح أكثر من مليون شخص تحديا أمام المجتمع، لمساعدتهم واستقبالهم، وخاصة أنها تمت بوقت قصير نتيجة القصف العشوائي المتواصل على جنوب لبنان والبقاع والضاحية الجنوبية.
ما جرى خلال الشهر الماضي، كان عكس التوقعات على المستوى الاجتماعي، فالتخوف من عدم وجود احتواء للنازحين في المناطق، وتحديدا التي تحتسب بسبب أكثريتها الطائفية وتوجهها السياسي بأنها معارضة لحزب الله، كان أهالي معظم الاقضية على استعداد لاستقبال الهاربين من جحيم الحرب.
فظهر أن المجتمع اللبناني، لا يعبر عنه الاعلام ولا الاحزاب دائما بالصورة الحقيقية. فانطلقت مبادرات على المستوى الفردي والجمعيات ومؤسسات روحية، بشكل تلقائي، معتمدين على شبكة علاقاتهم والاستثمار بمواقع التواصل الاجتماعي لتشجيع الناس على المشاركة وتلبية الحاجيات الأساسية. وعلى الرغم من احتمال ظهور حالات شاذة عن السياق العام، أو إمكانية تراجع وتيرة المساعدات بحال إطالة أمد الحرب، فهذا يبقى أمر طبيعي الحدوث، ضمن كل المجتمعات، والشاهد على ذلك زلزال تركيا وسوريا العام الفائت، حين كانت الذروة في الاسابيع الاولى ثم تراجعت مع الوقت.
مع عدم النظر إلى الحالة بعين المثالية، وكأن المجتمع دون عيوب، فالطائفية والحزبية والفساد حاضرة بقوة لدى جزء كبير من الشعب، ولكنها لا تمثل كل الشعب، وهنا يطرح التساؤل، هل يعكس التمثيل بالمجلس النيابي فعلا الحالة الانسانية لدى الناس؟، التشنج في الجلسات والتصريحات الفئوية، هل تنطلق من قراءة لمختلف الفئات والآراء أم يقتصر فقط على جزء يتماشى مع مصالحهم الفئوية والشخصي؟.
المؤكد، أنه بحال استمرار العدوان على لبنان، لأسابيع أخرى، قد نشهد توترات في بعض الاماكن، نتيجة الضغط الاجتماعي والاقتصادي، لكن يبقى الجوهر، هو احتواء أي إشكال ومنع تمدده، والاحتضان المتبادل بين النازحين والمجتع المضيف لهم، لمنع انجرار البلاد نحو الفتنة، فالميدان يصمد أمام القوة العسكرية، أما الحرب الاهلية، فهي التي تشتت المجتمع وتقسم الدولة.