وسام عبد الله
فلسطين ليست قضية منفصلة عن المشهد الاستعماري الأوسع، الذي يسيطر على الاقتصاد والتجارة، ويتحكم بالاراضي والنزاعات، وصولا إلى تأثيره على البيئة والمناخ، فجبهة “الاسناد” الاستعمارية لإسرائيل هي جزء من سياستها العالمية في السيطرة على الموارد الطبيعية والامكانيات البشرية.
بدّل الاستعمار أسلوبه التقليدي في نشر الجيوش والانتداب، فتحول إلى أدوات جديدة تعتمد بشكل رئيسي على “استعمار الاقتصاد”، الذي يسيطر على الموارد الطبيعية للدول النامية ويستغلها بأبخس الاثمان وانعدام حقوق العمال، حتى يتم استثمارها في الدول الصناعية وإعادة بيعها بأسعار مرتفعة بهدف تحقيق أرباح ضخمة. فكل الاقنعة التي ترفعها الدول الصناعية الكبرى، والعديد من المنظمات الدولية، حين تدّعي بأنها تسعى لمواجهة التغير المناخي وحماية البيئة، هو عبارة عن استعمار آخر، متمم للاقتصاد، عبر الوصول للسيطرة على الطبيعة. فالحديث عن استخدام الطاقة المتجددة عبر الالواح الشمسية وتوربينات الرياح وغيرها من الوسائل التي تروّج بأنها تساهم في الحد من الانبعاثات الحرارية، تلك الأجهزة تتكون من مواد أولية يتم استخراجها من دول أخرى مثل الكونغو وبوليفيا، فيتم تدمير البيئة في تلك الدول بهدف السيطرة عليها. هو “استعمار أخضر” لدول الجنوب.
أحد الاسباب لفرض الاستعمار سيطرته، كونه يحتكر المعلومات والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وامتلاكه القوة المالية من خلال الديون والقدرة على الاستثمار في الأراضي والتبادل التجاري غير المتوازن وتمويل الجماعات المسلحة.
تشكل “إسرائيل” قاعدة استعمارية متقدمة في الشرق الأدنى، لكنها تملك ما يميزها على المفهوم التقليدي للاستعمار، القائم على احتلال منطقة للسيطرة على مواردها ونظامها ثم الانسحاب منها بعد فترة زمنية إما نتيجة المقاومة أو لاسباب سياسية. الفرق الأساسي هو المشروع الاستيطاني، الذي يشكل اقتلاع شعب وتدمير هوية جماعية وتغيير معالم البلد، بهدف خلق كيان مختلف وغريب عن السياق الاجتماعي.
تمد الدول الصناعية “إسرائيل” بالسلاح والمال وتؤمن لها الغطاء الدولي لارتكاب المجازر، وعلى الرغم من محاولتها إنشاء “دولة مستقلة” ونسج تحالفات اقليمية ودولية، إلا أن العام الماضي، أثبت أن الكيان الإسرائيلي بحاجة دائمة “للاسناد الاستعماري”، ليضمن وجوده واستمراره.
فالحرب على الأراضي الفلسطينية، هو امتداد لحروب بأشكال مختلفة في دول أخرى، تخضع للسيطرة الاستعمارية، تحت مسميات جديدة، تهدف لسيطرة عدد محدد من دول العالم على موارد معظم شعوب العالم. فسلسة الامداد للشرائح الالكترونية التي يتم سرقة موادها الأولية من إفريقيا لتطوير آلات الذكاء الاصطناعي، يتم تحويلها إلى آلات قتل تستهدف المدنيين في فلسطين ولبنان.