وسام عبد الله
في أحد اللقاءات الشبابية بريف دمشق سنة 2017 مع فتاة لم تتجاوز العشرين من عمرها، خلال نشاط تعريفي عن التراث والاماكن الاثرية في دمشق، عبرت عن استغرابها لعدد المعلومات والافكار، وقالت، أن منزلها يبعد عن المدينة خمس دقائق في السيارة، ورغم ذلك لم يظهر لديها دافع الانتماء لها أو الرغبة بالتعرف عليها.
معظم زوار الاحياء القديمة في دمشق، خلال السنة الماضية، يُجمعون على المشهد المحزن من الطرقات المتسخة، يرمي المارة قمامتهم على الطريق، دون أيّ مراعاة للنظافة العامة. وعند استفسارنا عن سبب تفشي هذه الظاهرة، قال أحدهم “لا كهرباء ولا خدمات ولا مستقبل، ولا يشعرون بالانتماء لها، فكيف تقنعهم بالمحافظة عليها؟”.
إنسان عاش 60 عاما دون مرآة، وفجأة رأى وجهه، بشكل مختلف عن التصورات السابقة عن نفسه. ما خفي في القاع ظهر على السطح، ما كان يتحدث فيه البعض في السر أو يتحاشون ذكره حتى في تفكيرهم، أصبح طرحه للعلن أمرا طبيعيا، وربما ضروريا. هل يعرف السوريون بعضهم، هل يملكون رابطا وحاضنة لهويتهم غير الاغاني الوطنية؟.
عاش السوريون لعقود طويلة تحت تعريف “القومية العربية” وارتباطهم بالوطن العربي، رسخها حزب البعث عبر المدارس والاعلام والهوية البصرية في الطرقات والمؤسسات، فيما غابت الهوية السورية عنهم، حتى وجدوا أنفسهم أمام بعضهم بلحظة واحدة، والمطلوب منهم أن يتقبلوا بعض ويتفهموا الآخر. ليست بالأمر البسيط، المشاعر تنتهي في لحظات.
أكثر الاخطاء الشائعة عن الهوية، والتي روجت لها الافكار الايديولوجية، بأن المجتمع له هوية واحدة بمعنى لون ونظرة ومسار واحد، فأصبح كل مختلف هو غريب، ولاحقا هو عدو. استبعاد الآخر المختلف، نتيجة الاحكام المسبقة عنه. العلمانية والاسلامية والمدنية، ثلاث كلمات نريد الحديث عنها وكأنها محاضرة رياضية حسابية، فيما مسار المجتمعات الانسانية طويل ومعقد في كيفية التعاطي معها وتطورها ونضوجها مع التجارب، التي يمر العديد منها بالدم. البعض ينظر للاسلامي بناء على تنظيم “داعش”، وينظر للعلماني بأنه كاره للاديان، تختصر الحرية بالكحول والعبادة باللحية والحجاب، فنتحول الرموز التي تعبر عن الجوهر، إلى مقدسات بينما هي مصطلحات قابلة للتطور، نحن نتحول أسرى لمصطلحاتنا. كأن الثورة على ذاتنا تحتاج شجاعة مضاعفة عن الثورة على النظام.
وصل شباب إلى دمشق من إدلب، اكتشفوا عاصمتهم للمرة الأولى، وفي العاصمة تعرف شبابها على أبناء محافظة مغيبة عن حياتهم نتيجة الحرب، فكل احتكاك واستغراب هو مسار إنساني نتيجة التعارف وكسر الحواجز، فشعور الخوف، الاحساس الأهم والاخطر، إما يدفعنا للاصغاء والاحتواء المتبادل أو الهرب والتقوقع. يبدأ من سؤال، لو كنت مكانه، في عائلته وبيئته هل تختلف عنه؟، تفهم خصوصية كل فرد وجماعة يفتح المجال أمام الحوار.
مع التلاقي، نبدأ بالحديث، والكلام والتعبير الصادق، ليس بكلمات الحب فقط، إنما بالحذر والتساؤلات، يساهم في إعادة تكوين الذاكرة الجماعية السورية، والمؤلفة من التنوع السوري. الكلمة التي اعتقد الكثيرون أنها تدل على التنوع الديني الاسلامي – المسيحي فقط.
التنوع يشمل المأكولات والموسيقى والقصص الشعبية والطقوس الروحية وانماط العائلات، هي اسلوب الحياة اليومي وتعبير عن التراث غير المادي. نجد الاختلاف ضمن الطائفة الواحدة، فليس صحيحا أن كل مذهب على ذات النهج والافكار، ولا كل مدينة لها صبغة واحدة.
الهوية الحاضنة لكل الاختلافات، الدستور المعبر الأساسي عنها، والحامي لكل إنسان، بتنظيم العلاقة بين الافراد والجماعة والمؤسسات. وجدلية من الاهم، النصوص أم النفوس، غير دقيقة، الاثنان مهمان، نص واضح يحدد الحقوق والواجبات، وثقافة تعمل على التوعية المستمرة، بين الاثنين، رابط العلاقات الاقتصادية التي تؤمن كرامة الانسان بالعمل والانتاج والعدالة. الهوية مفهوم مجتمعي، فهي متطورة وعامل الوقت مهم بها، لتأخذ وقتها، لن تتضح خلال أشهر قليلة، ستأخذ مداها في حال توفر لها عوامل الاستقرار والهدوء والرغبة