وسام عبد الله
تستخدم صور النساء الألمانيات العاملات بعد الحرب العالمية الثانية، كدليل على قدرة الشعوب على النهوض بعد الحروب، لكن خلف الصورة هناك خطة اقتصادية ودعم مالي ضخم، ساعد الدول الاوروبية المنهكة من التعافي، فتلك النساء لولا وجود برنامج أوروبي – أميركي لضخ المالي في الأسواق، لما استطاعت أن توظف شعور الإرادة بشكل ملموس على الأرض.
في عام 1947، أطلق وزير الخارجية الاميركي الأسبق جورج مارشال، مبادرة لمساعدة البلدان الأوروربية، لإعادة إعمار بلادهم، وذلك عبر تقديم هبات نقدية وعينية وحزمة من القروض طويلة الأمد. دخلت في المشروع 17 دولة وهي، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا الغربية، بلجيكا، هولندا، إيطاليا، سويسرا، لوكسمبورغ، النمسا، الدانمارك، السويد، النرويج، أيرلندا، آيسلندا، البرتغال، اليونان، وتركيا. وبلغت قيمة المساعدات، نحو 13 مليار دولار وزعت على أربع سنوات، وشكلت الهبات ما يقارب 85% من هذا المبلغ، أما الباقي فقد أعطي على شكل قروض طويلة الأمد.
الاستناد على النموذج السابق في قراءة الواقع السوري، للتأكيد أن المرحلة المقبلة تحتاج لرؤية اقتصادية تحدد النموذج المالي للبلاد، والذي سيكون للدول المساهمة في إعادة الاعمار، الرصيد الأكبر في توجيهه، كون سوريا دون موارد وإمكانات قادرة على استعادة النهوض بوقت سريع، إنما تحتاج إلى الانتاج، وإلا تتحول إلى دولة قائمة على المساعدات الخارجية.
بالارقام التقديرية الحالية، يبلغ الناتج المحلي الإجمالي بحسب البنك الدولي نحو 9 مليار دولار لعام 2021 بينما كان عام 2011 نحو 67 مليار دولار. ونتيجة سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على المنطقة الشرقية الغنية بالآبار النفطية، خسرت الدولة السورية العصب الأهم في قوتها، فكانت سوريا تنتج 400 ألف برميل يوميا، ليصل إلى 40 ألف برميل فقط. كما خسر قطاع الزراعة نحو نصف طاقته الانتاجية، ومع العقوبات الاقتصادية انقطعت القدرة على الاستيراد والتصدير. مع تراكم الخسائر، انخفض دخل الفرد إلى 400 دولار سنويا، فيما كان نحو ألفي دولار. لتبلغ نسبة البطالة نحو 400 الف مواطن.
لإعادة الناتج المحلي كما كان سابقا عام 2011، بحسب تقديرات أممية، يمكن تحقيقه مجددا عام 2035، مع ما يوازيه من ردم فجوة البطالة، وتفعيل سوق العمل، وتحقيق شفافية وعادلة في التوزيع، وإعادة بناء أكثر من نصف مليون وحدة سكنية مدمرة بشكل كامل، والتي تعني مباشرة المساهمة في عودة النازحين الذين معظمهم لن يعودوا لعدم
امتلاكهم منزلا.
الحلقة الأهم تبقى الكهرباء، التي تضررت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، فقد تضرر أكثر من نصف محطات التوليد وشبكات النقل والتوزيع، ونتجية العقوبات منعت شحنات المحروقات من الوصول إلى السوق السورية، فقد بلغ الناتج الحالي نحو 3 آلاف ميغاواط، فيما المطلوب مع إعادة الاعمار أن تصل إلى 12 ألف ميغاواط.
تعتبر دولة قطر المرشح الأبرز للدخول في مجال الطاقة، وهو ما عبر عنه أحمد الشرع، رئيس الادارة السورية الجديدة، خلال لقائه وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي، أن الدوحة أبدت اهتماما في الاستثمار بمجال الطاقة. وهو ما يتلاقى مع التصريحات التركية الراغبة في دخول إعادة الاعمار عبر السكك الحديدية والصناعة.
ما طرحه الشرع، أن سوريا تتجه لأن تتبنى “الاقتصاد الحر”، قسم الآراء بين مؤيد ومحذر من التوجه نحوه بقصد الربح السريع، والمقصود فيه إراحة المواطن وتطمينه، ما يشبه ما حدث في لبنان، خلال أكثر 30 عاما، في قروض البنوك والتسهيلات، لتنفجر أزمة اقتصادية ويخسر المودع أمواله.
فهل تشهد سوريا خصخصة القطاعات أو تبقى للدول يدها الاقوى في التحكم بالسوق منعا للاحتكار؟، ما مصير الشركات الخاصة من النفط والاتصالات والمصارف، كيف سيتم التعامل معها؟، مع سقوط النظام السوري، دخلت منتجات اجنبية بشكل كبير إلى الاسواق، وأصبح التعامل ممكن بالليرة السورية والدولار الاميركي، فهل إغراق السوق بالمنتج الاجنبي يساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية أم الأولوية دعم المنتج المحلي، حتى لا تقع في نفس التجربة اللبنانية، التي ركزت على قطاع الخدمات من سياحة ومصارف وأهملت الصناعة والزراعة؟.