وسام عبد الله
شهدت ايران تحولات جذرية خلال العقود الاربعة الماضية، من فترة حكم الشاه إلى الثورة الاسلامية، بما تحملها من تبدلات على المستوى الداخلي والعلاقات الدولية والمواقف من القضايا الاقليمية. وشكلت فلسطين الركيزة الاساسية في هذا التحول، من سلطة داعمة للاحتلال إلى دولة مساندة لحركات المقاومة في المنطقة.
نسج الشاه محمد رضا بهلوي علاقات مع الكيان الاسرائيلي منذ بداية تأسيسه، حيث كان يعتبره تحالفا بوجه الاتحاد السوفيتي من جهة، وضد الدول العربية من جهة ثانية. والاسرائيلي بالنسبة له ايران كانت ضرورة في بداية إنشاء الكيان، لتطويق المجتمعات العربية.
مرّ التحالف بحالات اقتراب وتباعد بينهما، بحسب الرغبة الاسرائيلية، نظرا لتصاعد قوتها مع هزائم العرب المتتالية في الحروب معها، ولكن ظل التحالف والتواصل بينهما مستمر، خاصة أن الشاه بهلوي هو الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الاميركية، والذي عُرف بفترة حكمه ” شرطي المنطقة ” الراعي للمصالح الغربية، وهو الدور الذي تلعبه اسرائيل أيضا.
لم تكن فلسطين أولوية لدى الشاه، وهو أحد الرعاة والمؤيدين لاتفاقية كامب ديفيد عام 1978بين مصر واسرائيل. فيما كانت لدى الشعب حاضرة دائمة في مطالبه واعتراضه على السياسة الخارجية لبلاده، والذي تجسد في مرحلة نجاح الثورة الاسلامية بقيادة آية الله الخميني.
أدرك الخميني خطورة المشروع الصهيوني في المنطقة وأهمية الحضور الايراني من خلال دعمه للقضية الفلسطينية، فمع سقوط الشاه وتوليه الحكم، بدلت ايران سياستها الخارجية بشكل جذري، فقطعت العلاقات مع تل أبيب، وأعلنت دعمها لفصائل المقاومة، ورفع العلم الفلسطيني فوق المقر السابق للسفارة الاسرائيلية في طهران.
حرصت ايران على تقديم الدعم السياسي والعسكري للفصائل المقاومة في لبنان وفلسطين، فشارك الحرس الثوري الايراني في مساندة حزب الله في لبنان بفترة الثمانينيات، من خلال الحضور الشخصي للمسؤولين وتقديمهم المشورة والتدريب القتالي، وشكلت سوريا المعبر والطريق لتأمين السلاح للمقاومين. وفي فلسطين، مع غياب الدعم العربي للمقاومة، رأت فصائل فلسطينية أن ايران تشكل منفذا لهم عبر دعمها المالي والعسكري.
وخلال العقود الماضية، تعرضت طهران لحصار اقتصادي وعقوبات دولية، لأسباب عديدة، منها موقفها من القضية الفلسطينية ومواجهتها المشروع الاميركي الاسرائيلي في المنطقة، وكونها تملك علاقات جيدة مع الصين، ما تعتبره واشنطن ضرورة لقطع الطريق على بكين من خلال تضيق الخناق على طهران. والذي تجلى في دور الصين بإعادة التواصل والتفاهم بين ايران والسعودية.
ونتيجة التواجد العسكري الايراني في دول المواجهة مع اسرائيل، مثل سوريا ولبنان، تعرض العديد من المستشارين والمسؤولين العسكريين في الحرس الثوري لعمليات اغتيال، كان من أبرزها مقتل قائد قوة القدس في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني في العراق. وتصاعدت عمليات الاستهداف، بعد عملية طوفان الاقصى في السابع من تشرين الاول 2023. وكانت تتعرض ايران لانتقادات من قبل مسؤولين ومتابعين عرب، بأنها لن تقدم يوما على مهاجمة اسرائيل وكل ما تفعله هو استغلال الاراضي العربية لتحقيق مصلحتها الخاصة. حتى جاء فجر 14 نيسان 2024 وبدل المعادلة.
بعد استهداف القنصلية الايرانية في دمشق ومقتل قادة في الحرس الثوري، أكدت ايران أنها سترد على عملية الاغتيال، ليكون الرد عبر استهداف الكيان الاسرائيلي، بمئات المسيرات والصواريخ، التي انطلقت من الاراضي الايرانية باتجاه الاراضي الفلسطينية المحتلة، لتشكل مشهداً لم يشهده الصراع العربي الاسرائيلي، عبر امتلاك دولة الجرأة على قصف اسرائيل، على الرغم من المساندة الدولية لحماية تل أبيب من قبل اميركا وفرنسا والاردن وبريطانيا.
فرضت ايران قواعد جديدة من خلال العملية، فهي لم تذهب بالمنطقة إلى حرب اقليمية، ولكنها وضعت الاسرائيلي في أزمة استراتيجية تضاف إلى أزمتها بظهور هشاشتها الداخلية بعد عملية طوفان الاقصى. كما أكدت طهران قدرتها على استهداف اسرائيل وامتلاكها المبادرة، والتي ظن الاسرائيلي أنه بالدعم الغربي له لن تتمكن من الاقدام على استهدافها.
وبالنسبة للداخل الاسرائيلي، فهو يعيش أسوء مراحله، وهو يشهد المقاومة وايران، تستهدفه من الشمال والجنوب وعبر الاجواء، إضافة للعمليات الفردية. وبالحسابات الاسرائيلية الاقتصادية، أعطى الرد نموذجا على الكلفة الاقتصادية الهائلة التي ستتكبدها تل ابيب في حال توسعة الحرب بالمنطقة، وهي في بضع ساعات كلفتها أكثر من مليار دولار.