وسام عبد الله
يشير كتاب “سندات الخزينة اللبنانية”، أن سلطات الانتداب الفرنسي عملت على استحداث عملة جديدة، بعد انهيار الامبراطورية العثمانية، عرفت بالليرة السورية عام 1920، ثم عدّلت تسميتها كي تصبح الليرة اللبنانية السورية عام 1924، وثم الليرة اللبنانية عام 1939.
في عام 2019، انفجرت في لبنان الأزمة الاقتصادية، وفقدت الليرة الوطنية من قيمتها، ودخلت المصارف في أزمة مع المودعين، حيث كشفت عن حجم الفساد وسوء الادارة للقطاع المالي، بالتزامن معها، بدأ تتراجع في سوريا القدرة الشرائية للسوريين، وانخفاض قيمة الليرة أمام الدولار، وازدياد الضغط الاجتماعي والاقتصادي نتيجة العقوبات الدولية من جهة والضرائب المتصاعدة التي كانت تجبيها حكومة النظام السوري من جهة أخرى.
مهما تبدل شكل الحكم في سوريا، الجغرافية والترابط الاقتصادي والاجتماعي، تفرض نفسها على العلاقة مع لبنان، والقراءة الاقتصادية تعد مؤشرا للتأثير المتبادل بينهما، إما بشكل مباشر كما هي في مرحلة ما قبل الاستقلال، أو بشكل غير مباشر في السنوات الخمس الماضية.
مع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، تعتبر سوريا المنفذ البري الوحيد للبنان باتجاه الشرق، نحو العراق والخليج العربي، وهو ما يؤثر على مسار التصدير للمنتجات الزراعية والصناعية. فخلال السنوات السابقة تعقدت الاجراءات على الحدود بين البلدين، مما أدى لتراجع تصدير المحاصيل الزراعية من منطقة البقاع بشكل أساسي.
العمالة السورية موجودة بشكل دائم في لبنان ما قبل عام 2011، وهي جزء أساسي من مشاريع البناء والصناعة والزراعة، حيث كان تتراوح بين 300 ألف حتى 700 ألف عامل. وقد تضاعفت الارقام مع ازدياد أعداد النازحين السوريين (اكثر من مليون ونصف نازح)، ونتيجة غياب الادارة الرشيدة لهم، تأثرت الاعمال والمشاريع حيث تراجعت اليد العاملة اللبنانية على حساب السورية الاقل تكلفة على صاحب العمل.
بحسب التقارير الصادرة عن مصرف لبنان واتحاد المصارف العربية، شكلت الودائع السورية بين 20% إلى 25% من إجمالي ودائع المصارف اللبنانية قبل الأزمة الاقتصادية عام 2019. واعتبرت البنوك اللبنانية، منفذا للمعاملات التجارية لدمشق، مع الحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام والتي انعكست مباشرة على الشعب السوري.
الرؤية السياسية والاجتماعية لبعضهما، لها دورها في صياغة العلاقة، فبعض الاحزاب اللبنانية تعتبر أن السوريين ينظرون إلى لبنان بأنه “محافظة سوريا” تابعة لهم وخرجت من سلطتهم بسبب التقسيم، ومنهم من يرى نفسه الامتداد الطبيعي للمجتمع السوري وأن التباعد بينهما هو نتيجة الاتفاقيات الدولية وليس نتيجة إرادة الشعبين. وكانت أحد أكثر الفترات إشكالية مع بعد اتفاق الطائف عام 1990، مع ما أصبح يعرف بالنظام الأمني السوري – اللبناني، إلا أنه كان يشمل زعماء وسياسيين وأحزاب ورجال أعمال من كلا البلدين.
مع سقوط حكم البعث في سوريا، سيكون لبنان أمام مرحلة مختلفة في التعاطي مع دمشق، وكل ما يصدر حتى الآن من تصريحات سياسية هي عبارة عن توصيف أو تمنيات، بينما الواقع لم يتضح بعد في سوريا بشكل الحكم، الذي سينعكس حكما على لبنان. فكل الامكانيات الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن تجاوزها في صياغة العلاقات الدبلوماسية والسياسية بينهما، فهل ستخرج أحزاب مرتبطة بالنظام السوري الجديد كما كانت سابقا؟ وكيف سنكون مسألة ترسيم الحدود؟ وبين كل المعطيات، أي عباءة عربية ودولية، فهل نشهد تنسيقا بين العرب والاتراك أم تنافس؟، دون أن ننسى العامل الإسرائيلي المنتظر اللحظة الدائمة لتوسيع مطامعه الاستعمارية.