تعد الفصائل المسلحة جزءاً أساسياً من المشهد العسكري والسياسي في سوريا، حيث تنوعت في أهدافها، هويتها، وداعميها، ورغم تباين توجهات هذه الفصائل، فإن مساعي الاندماج ضمن هيكل عسكري موحد، تظل موضوعا محوريا لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني.
تظهر تجارب تاريخية في دول أخرى، أن عملية دمج الفصائل المسلحة غالبا ما تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالاختلافات الأيديولوجية والصراعات الاقليمية، مما يجعل تحقيق الوحدة العسكرية والسياسية أمراً صعباً، تختلف درجة النجاح من حالة إلى أخرى بناءً على عوامل مثل الثقة بين الأطراف، ضمانات حقوق الإنسان، وإرادة الأطراف لتحقيق المصالحة والسلام الشامل.
الفصائل المسلحة في سوريا
هيئة تحرير الشام: تأسست عام 2017 بعد اندماج عدة فصائل، أبرزها جبهة النصرة، التي كانت فرعا لتنظيم القاعدة في سوريا. تسعى الهيئة لإقامة دولة إسلامية بناءً على تفسير سلفي جهادي للشريعة، ورغم محاولاتها الفصل عن القاعدة، فإنها لا تزال تتهم بالإرهاب. وتعد تركيا أبرز الداعمين لها، والتي ساهمت في تأمين وصولها إلى دمشق، بعد سقوط نظام بشار الاسد، ومحاولة تقديمها بفكر منفصل عن تاريخها وسلوكها في إدلب.
غرفة عمليات الجنوب: ائتلاف فصائل مسلحة في محافظة درعا، قادها أحمد العودة. رغم دعوة وزارة الدفاع السورية لدمج الفصائل في جيش وطني موحد، يرفض العودة تسليم سلاحه أو حل تشكيله العسكري المسيطر على مناطق واسعة في ريف درعا الشرقي، متمسكًا بمطالبه بضمانات محددة قبل الاندماج. وهو الفصيل الذي كان مدعوما من روسيا، وعلى تواصل مع الاردن والامارات.
قوات سوريا الديمقراطية: تحالف عسكري يضم فصائل كردية وعربية، تم تشكيله في عام 2015 في شمال وشرق سوريا لمواجهة تنظيم “داعش”. تدعمها الولايات المتحدة بشكل رئيسي. كانت تهدف لتحقيق حكم ذاتي في مناطق سيطرتها. هذا التوجه يثير توترات مع تركيا. ومع سقوط النظام السوري، تسعى أنقرة لإنهاء وجودها، فيما فتحت قنوات تواصل مباشر مع الادارة في دمشق، لتنظيم العلاقة العسكرية معها.
الجيش الوطني السوري: تأسس في 2017 بدعم من تركيا. يضم مجموعات متنوعة كانت تسعى لاسقاط النظام، واستعادة الأراضي من “داعش” و”قسد”. لعب دورا في الشمال السوري وشارك في العمليات العسكرية التركية مثل “غصن الزيتون” و”نبع السلام”. رغم ذلك، يواجه انتقادات بسبب ضعف التنسيق بين فصائله واتهامات بانتهاك حقوق الإنسان في المناطق التي يسيطر عليها.
رجال الكرامة: هو فصيل عسكري سوري تأسس في عام 2014، وهو من المجموعات التي تنحدر بشكل أساسي من محافظة السويداء في جنوب سوريا. يتميز هذا الفصيل بتركيبه العشائري.
لواء الجبل: تأسس في محافظة درعا وشارك في القتال ضد النظام السوري. يعتبر هذا اللواء أحد الفصائل التي تنتمي إلى التيار الإسلامي المعارض للنظام.
كلا الفصيلين أعلنا استعدادهما للاندماج ضمن جسم عسكري يكون نواة لجيش وطني جديد، إلا أنهما يعملان بحذر مع السلطات، رفضا لتسليم سلاحهم قبل استقرار الأوضاع السياسية.
فصائل متفرقة: مثل فرقة الحمزة، جيش الإسلام، فيلق الشام، وأحرار الشام، كان بعضها متواجدا في ريف دمشق وابعد الى الشمال، ليتلقى الدعم من تركيا. والجبهة الوطنية للتحرير وهي تحالف يضم عدة فصائل مسلحة في الشمال السوري، منها ألوية صقور الشام وحركة نور الدين الزنكي.
تجارب تاريخية
هناك تجارب تاريخية لدمج فصائل مسلحة في دول مختلفة، حيث تم دمجها في مؤسسات الدولة بهدف تحقيق الاستقرار وإنهاء النزاعات المسلحة. بعض هذه التجارب نجحت بشكل نسبي، بينما واجه البعض الآخر تحديات كبيرة.
جنوب أفريقيا: بعد انتهاء نظام الفصل العنصري عام 1994، تم دمج العديد من الجماعات المسلحة في الجيش الوطني من خلال عملية المصالحة الوطنية. أبرز هذه الجماعات كانت “المؤتمر الوطني الأفريقي” و”حزب القوات الديمقراطية المتحدة”، حيث تم تشكيل حكومة تضم جميع الأطراف، وتم دمج مقاتليها في قوات الدفاع الوطنية الجنوب أفريقية. وكان ذلك جزءا من عملية المصالحة التي قادها نيلسون مانديلا.
نيكاراغوا: بعد انتهاء الحرب الأهلية في نيكاراغوا في منتصف الثمانينات، التي شهدت قتالاً بين حكومة “الساندينيستا” و”الكونترا” المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة، تم التوصل إلى اتفاق سلام. بموجب هذا الاتفاق، تم دمج مقاتلي الساندينيستا والكونترا في قوات الأمن والجيش الوطني. كانت هذه خطوة هامة نحو تحقيق الاستقرار السياسي في البلاد.
سريلانكا: بعد نهاية الحرب الأهلية السريلانكية في 2009، والتي دامت أكثر من 25 عاما بين الحكومة السريلانكية و”نمور التاميل”، كان هناك نقاش حول إمكانية دمج المقاتلين من الطرفين في مؤسسات الدولة. ومع ذلك، كانت عملية الدمج أكثر تعقيدًا بسبب الانقسامات العميقة والتوترات المستمرة، رغم بعض الجهود لتعزيز المصالحة.