وسام عبد الله
نتابع بشكل يومي مشاهد الدمار والقتل التي يمارسها الاحتلال بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني، ولكن نادرا ما نشاهد صورا مماثلة لدى الجانب الإسرائيلي، والأمر ليس متعلقا بعدم وجود خسائر بشرية ومادية لديه،إنما لتحكم حكومة الاحتلال بقنوات نشر الصور والفيديو، بتحديد المسموح من الممنوع منها بحسب ما يتناسب مع المنهجية العسكرية والهدف المراد من نشر المعلومات.
دائما ما يتداول على وسائل الاعلام، بأن “الرقابة العسكرية” تمنع نشر الحدث في الشمال، أو نقرأ خبر يشير إلى “السماح بالنشر” لعدد القتلى والجرحى من جنود الاحتلال. الخبران مرتبطان بما يسمى “الرقابة العسكرية”، وهي وحدة عسكرية تابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) في الجيش الإسرائيلي، ويترأسها ضابط يعرف باسم “الرقيب العسكري”.
تأسست هذه الوحدة وفق قوانين الطوارئ التي سنّها الانتداب البريطاني عام 1945، وتزيد الرقابة من استخدامها لتلك القوانين أثناء الحروب. مهمة هذه القوانين، حظر نشر أي خبر وحدث دون وجود موافقة عليه، إضافة لمنع نشر مواد سرية من الأرشيف القومي الإسرائيلي إلا بعد ربع قرن على الأقل بحسب تقديرات حكومة الاحتلال. في القانون الأساسي للرقابة العسكرية تشير المواد أنه “كل قرارات الحكومة واجتماعات الوزراء الخاصة بمناقشة الشؤون الأمنية تعتبر أسرار يحظر نشرها، إلا بعد السماح بنشرها من قبل رئيس الوزراء أو أي شخص آخر مخول بذلك”.
وعلى صعيد وسائل الاعلام، يحق للرقيب العسكري إصدار أوامر بعرض كتب للمراجعة قبل نشرها، وفيما يتعلق بالصحف، تقوم الرقابة بإرسال أمر شخصي لناشري الصحف والمجلات الدورية، وفي حالات الطوارئ تلزم الرقابة الصحف بتقديم المادة للفحص قبل نشرها والتي تتعلق بأمن الدولة، والضفة الغربية وقطاع غزة، والعلاقات العربية الإسرائيلية.
ويحدد القريب العسكري قوائم المواضيع التي يجب عرضها مسبقاً قبل النشر في وسائل الاعلام، والتي تعلن الحكومة الموافقة عليها من قبل لجنة الخارجية والأمن في الكنيست.
لضبط نشر المعلومات وعدم السماح لأي شخص بالاطلاع عليها، تمنح الرقابة العسكرية بطاقات لعدد محدود من الصحفيين الذين يسمح لهم بمعرفة المعلومات المراد نشرها، ضمن تحديد القنوات التي تختار الرقابة تمرير المعلومات منها، لأهداف معينة. وهو ما نشهده خلال العدوان على لبنان، حيث يتم تسريب أخبار عن قرب وقف إطلاق النار أو خلافات بين الوزراء، ليتبين لاحقا أنها جزء من الحرب النفسية أو وسيلة ضغط سياسية.
ولفتت هيئة الرقابة العسكرية في تقرير صادر عنها عام 2018، أنها تقوم بتعديل خبر من أصل 5 أخبار يومياً يتم نشرها على وسائل الإعلام الإسرائيلية.
ويسعى الرقيب العسكري إلى إخفاء نسبة الخسائر الحقيقية في الميدان، لمنع تحولها لحالة ضغط نفسي على الداخل الإسرائيلي وإحباط لدى جنود الاحتلال، ولمنع إحداث حالة خوف وتهرب من الالتحاق بالخدمة العسكرية، إضافة لمنع إعطاء المقاومة ورقة قوة تستثمرها في العسكر والمفاوضات.
لو كان هناك كاميرا توثق الاضرار في القواعد العسكرية والمستوطنات، والتي استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي فضحها، لتغيرت الكثير من المواقف وطريقة التعاطي الاعلامي والشعبي مع المقاومة. فمشاهد تدمير القرى التي يبثها الاحتلال من جنوب لبنان، المقصود منها التأثير على سكانها لينقلبوا على المقاومة، فيما تمنع أو تحدد المسموح بنشره من قتلاهم، والتي تنشرها أيضا لأهداف داخلية، مثل محاولة تبرير خفض العملية البرية أو زيادة الضربات الجوية.