وسام عبد الله
يسعى الاحتلال الاسرائيلي منذ النكبة عام 1948، لتغير معالم الجغرافية الفلسطينية، بإعادة توزيع السكان وتهجيرهم وقتلهم، وعبر التقسيمات الإدارية للمناطق لتقطيع الأوصال فيما بينها وإحكام السيطرة عليها.
فخلال الابادة الجماعية التي تمارسها من 7 تشرين الاول على قطاع غزة، عمد جيش الاحتلال إلى انتهاج عملية تدميرية للبنية التحتية لجعله مكانا غير صالح للحياة، بدمار المستشفيات والمدارس والمؤسسات والمنازل والمعابد، والعملية تمت عبر وحدات الهندسة والشاحنات والآليات العسكرية.
وتوازى ذلك، بعملية القتل المستمرة، عبر دفع السكان من الشمال نحو الجنوب ليتم حصارهم في منطقة واحدة. وخلال عملية التهجير نشر الاحتلال خريطة تقسم غزة إلى 2375 منطقة صغيرة، حيث يحدد للسكان المناطق التي يجب الانتقال إليها، تحت ذريعة الحفاظ على سلامتهم، بينما الخريطة شكلت أداة قتل وفق نسق معين مما يجعل غزة مكانا غير آمن. كما فصل القطاع إلى قسمين، الشمالي، ويضم مناطق مثل بيت حانون وبيت لاهيا ومخيم الشاطئ، وقسم جنوبي فيها مناطق عدة منها دير البلح والناصرة والمغازي. وفي مقابل تدمير ميناء غزة والمرافق المحيطة به، كان مشروع الميناء العائم الذي طرحه الرئيس الاميركي جو بايدن، ومهد له رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو من خلال القصف الجوي وسيطرته عليه.
السياسة المنهجية ذاتها عمل عليها الإحتلال في مختلف المناطق الفلسطينية، فاستعان بالتوراة لإعطاء أسماء جديدة للقرى والبلدات، فإيلات كان اسمها أم الرشراش، وبير شيفاع اسمها بئر السبع، وطرد أكثر من 700 ألف فلسطيني من بيوتهم خلال دخول العصابات الاسرائيلي إلى المناطق وتنفيذ عمليات التهجير عام 1948.
كما نفذت الحكومات الاسرائيلية سياسة العزل بين المناطق في الضفة الغربية عبر إنشاء جدار الفصل العنصري، الذي يهدف في نتائجه إلى سلخ القدس عن باقي أجزاء الضفة، وشرع في بناء المستوطنات لتشكل حالة ديمغرافية عسكرية في قلب المجتمع. ولم تسلم الطبيعة من عملية التغيير، عبر اقتلاع أشجار الزيتون واستبدالها بأشجار ذات أصلٍ اوروبي وزرعها في أرض لا تناسبها بيئياً بهدف تهيئة المكان المناسب أمام المستوطنين القادمين من تلك البلاد.
ويدرك الإحتلال ضعف العامل الجغرافي بالنسبة له، والذي أثبتته عملية “طوفان الاقصى”، من خلال قدرة المقاومة على اقتحام المستوطنات في غلاف غزة، ووصول الصواريخ إلى تل أبيب، يضاف إليها العمق الجغرافي الذي شكلته جبهة الجنوب اللبناني، عبر الاسناد من قبل حزب الله، فأصبح الشمال جغرافيا تحت مرمى صواريخ المقاومة، وكان دخول عامل استهداف جنوب فلسطين المحتلة بقصف ميناء إيلات ومعركة البحر الاحمر من قبل حركة ” أنصار الله “، تحديًّا جديداً أمام الاحتلال في قدرته على فتح جبهات متعددة.