وسام عبد الله
يروي أحد الكهنة، عن حادثة في الفاتيكان، وقعت أثناء زيارة وفد سعودي، حينما تم تقديم الكحول على العشاء، فانقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض له، ولم يكن التباين بين مجموعتين (مسلمين – مسيحيين)، إنما ضمن المجموعة الواحدة. فالمجموعة السعودية قسم اعتبر الأمر طبيعي ولا يمكن فرض المعتقدات على الآخر والثاني رافض لها كون الاحترام يكون لقيم الضيوف، وفي المجموعة المقابلة الأمر ذاته.
على طاولة عشاء في ليلة واحدة هادئة، كان هذا النقاش، فكيف لبلاد تعيش أصعب مراحل تاريخها الحديث، والمطلوب منها، إدارة التنوع والتعددية في مجتمعها، مثل سوريا.
شرب الكحول وارتداء لباس معين، وغيرها من أشكال التعبير الخارجي، لا تعني إطلاقاً الحكم على صاحبها. فمن قال أن شارب الخمر يفهم معنى الحرية، إن كان صاحب عمل مجحف بحق عماله؟، ومن ادعى أن الفتاة المحجبة غير متحررة، بينما في سوق العمل تملك مشاريع ناجحة؟، فالشكل مهم وحق ولكنه نتيجة للعقل الذي هو الجوهر.
نحن لم نكن هكذا؟!، ترافق هذه الكلمات السوريين عند كل حادثة توحي بإلغاء الآخر، في محاولة لاسترجاع الماضي في قسمه “الوردي”، بأن الجميع كان يعيش دون تهميش فئة لأخرى، وهذا في جزء منه صحيح، والحياة اليومية شاهدة على هذا التكامل.
لكن هناك قسم آخر، كان يتم إنكاره، بوجود تناقض وحالات إقصاء داخل المدن والارياف. الفرق اليوم، أن الاعلام أظهرها وصارت في شوارعهم، وأصبح المطلوب من الشعب، بكل مستوياته، محاولة إنتاج دولة تتمكن من إدارة التنوع.
فالتنوع، هو حق كل إنسان بالتعبير عن هويته الفكرية والروحية والسياسية، بالسلوك الذي يناسبه دون تجاوز لكرامة وحرية الآخر بالتعبير أيضا عن شخصيته. فدعوة الناس إلى اتباع مذهب محدد، وفرضه، مباشرة بقوة السلاح أو بالقوة الناعمة بالسيطرة على المنابر والتشريعات، حينها تكون الأرضية مهيئة لحرب أهلية، تنفجر بأي لحظة. وهنا يكون الشبه مع فرض أفكار حزبية واحدة على كامل المجتمع، أو منع برامج اجتماعية عبر الاعلام تظهر التعدد الديني.
فالأساس لإدارة التنوع هو الدستور، الذي يصون المجتمع وينظم عمل المؤسسات، والضامن لكرامة الانسان، مهما كان دينه وعرقه وثقافته، وهو الذي يتمثل بفكرة المواطنة بطرفيها العقد القانوني، والبعد الاجتماعي – الثقافي.
هذه الصياغة، لها جوهرها الاقتصادي، فلا يكفي الحديث عن التنوع والتسامح، إن كان إنتاجية العمل وحقوق العمال غير مصانة، عبر ضمان أن جميع الأفراد، بغض النظر عن خلفياتهم، لديهم فرص متساوية في التعليم والعمل والخدمات الاجتماعية. فالافكار المتطرفة تجد في البيئات المعدومة والمهمشة فرصة للانتشار، حين يكون لدى الناس فراغ فكري وعدم امتلاكه لمهنة وعمل يعطيه الاحساس بالفاعلية.
دمج مفاهيم التسامح والاحترام المتبادل في المناهج الدراسية، وتعليم الأفراد كيفية التعامل مع الاختلافات الثقافية والدينية والعرقية، وتنظيم ورش عمل وحملات توعية حول أهمية التنوع وأثره الإيجابي على المجتمع. فالتربية أحد القنوات الهامة التي يمر عبرها الدستور للاجيال الشابة.
بينما يتم الاحتفال بالتنوع، يجب العمل على تعزيز الهوية الوطنية أو المحلية التي تشمل جميع الأفراد، وتنظيم فعاليات ومنتديات للنقاش حيث يمكن للناس من خلفيات ثقافية ودينية مختلفة تبادل الأفكار ومناقشة قضايا مشتركة.
كما يجب على القادة السياسيين والمجتمعيين أن يكونوا قدوة في تعزيز قيم التعددية والقبول، واتخاذ مواقف قوية ضد العنصرية والكراهية.