وسام عبد الله
قضية المفقودين في الحروب تُعدّ من أكبر التحديات التي تواجه الدول والمجتمع الدولي، وتتطلب معالجتها من خلال مجموعة من الإجراءات السياسية والقانونية لضمان حقوق المفقودين وعائلاتهم.
وقبل أيام، عُقد اجتماع لممثلين من المنظمات الحقوقية وعائلات الضحايا في سوريا، مع الرئيس السوري أحمد الشرع، حيث تم التأكيد على أهمية اتخاذ إجراءات فورية لكشف مصير المفقودين في المعتقلات وأماكن الاحتجاز. وأكدت “رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا” أن كشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات هو حق أساسي لتحقيق العدالة، وشددت على ضرورة إشراك الضحايا وعائلاتهم في جهود العدالة الانتقالية. تم طرح مطالب تشمل ضمان عدم تكرار الانتهاكات، حماية الأدلة والمقابر الجماعية، وضمان وصول العائلات للمعلومات المتعلقة بمصير المفقودين.
من جانبها، أكدت الحكومة السورية على التزامها بمعالجة القضية وتوفير جهة مختصة بشؤون المفقودين، مشددة على ضرورة عدم اعتبار المخفيين قسريًا متوفين دون أدلة واضحة. وأكدت الروابط الحقوقية على ضرورة متابعة تنفيذ هذه الالتزامات وتحقيق العدالة من خلال الأفعال وليس الوعود، مع التأكيد على أن معالجة قضية المفقودين ضرورية لتحقيق الاستقرار والسلام في سوريا.
قضية المفقودين
على المستوى السياسي، يجب تأسيس لجان خاصة للمفقودين تكون مهمتها جمع المعلومات وتنسيق جهود البحث والتحقيق، ويجب تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة الأمم المتحدة لتبادل المعلومات ومساعدة الحكومات في عمليات البحث. كما يمكن أن تلعب المفاوضات دورًا حيويًا في تأمين عودة المفقودين أو معرفة مصيرهم، من خلال اتفاقيات بين الأطراف المتنازعة. علاوة على ذلك، من الضروري تعزيز الوعي العام حول حقوق المفقودين وعائلاتهم وأهمية المعالجة القانونية لهذه القضية.
أما على المستوى القانوني، فيجب على الدول الالتزام بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمفقودين، مثل اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية، التي تفرض على الأطراف المتحاربة اتخاذ جميع التدابير الممكنة للبحث عن المفقودين والإبلاغ عنهم. من المهم أيضًا وضع إطار قانوني لتوثيق حالات المفقودين، مما يسهل التحقيقات ويحدد مصيرهم. كما ينبغي إنشاء آليات قانونية لتقديم التعويضات المالية والعاطفية لعائلات المفقودين، وضمان حصولهم على الدعم النفسي والاجتماعي. إضافة إلى ذلك، من الضروري محاكمة المسؤولين عن عمليات القتل أو الخطف أو الاعتقال غير المشروع للمفقودين في محاكم وطنية أو دولية، مثل المحكمة الجنائية الدولية، لضمان العدالة والمساءلة.
تجارب دولية
توجد عدة تجارب دولية ناجحة في معالجة قضية المفقودين في الحروب. في البوسنة والهرسك بعد الحرب في يوغوسلافيا، تم تأسيس اللجنة الدولية للمفقودين (ICMP) التي استخدمت تقنيات الحمض النووي لتحديد هوية المفقودين وتقديم الدعم لعائلاتهم. وفي تيمور الشرقية بعد استقلالها عن إندونيسيا، عملت حكومة تيمور على التعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتوثيق حالات المفقودين. في الشيلي والأرجنتين، تم إنشاء لجان للتحقيق في مصير المفقودين خلال الأنظمة العسكرية في السبعينات والثمانينات، واستخدمت تقنيات الشهادات والحمض النووي لكشف الحقائق. كما قامت إسبانيا بفتح تحقيقات في مصير المفقودين خلال الحرب الأهلية وفترة حكم فرانكو، مستخدمة تقنيات حديثة مثل تحليل الحمض النووي. في الولايات المتحدة، تم إنشاء برنامج خاص لتحديد مصير الجنود الأمريكيين المفقودين في حرب فيتنام، باستخدام تقنيات متطورة لتسريع التحقيقات. هذه التجارب تظهر أهمية التعاون بين الحكومات والمنظمات الدولية واستخدام التكنولوجيا الحديثة في حل هذه القضية.
الاثر المجتمعي
معالجة قضية المفقودين في الحروب تعد أمرا حيويا لتحقيق العدالة الانتقالية وبناء مستقبل مستقر للبلاد. من خلال الكشف عن مصير المفقودين، يتم تحقيق العدالة والمساءلة، مما يعزز ثقة الشعب في مؤسساته. كما يساهم ذلك في الاعتراف بمعاناة الأسر وبناء ثقافة المصالحة بين الأطراف المتنازعة، ما يعزز الاستقرار السياسي والاجتماعي. معالجة هذه القضية أيضا تسهم في توثيق الأحداث بشكل دقيق، مما يمنع تحريف التاريخ ويساعد في بناء مؤسسات قانونية شفافة تساهم في منع تكرار الانتهاكات.
قضية المفقودين في الحروب تتطلب التزاما قويا من جميع الأطراف المعنية، سواء على مستوى السياسات المحلية أو التعاون الدولي، لضمان العدالة وحماية حقوق الأفراد المتضررين.