وسام عبد الله
لا يريد الاحتلال أن يرى “الجسد الفلسطيني”، برمزية الحضور والثبات والصمود، فهو المحتل على أساس أرض بلا شعب، دون أجساد وأرواح، فكيف يكون هناك مجتمع حيّ؟. فآلة القتل تريد إنهاء الوجود البشري، وتهجيره وتدميره. فالجسد الفلسطيني، كجماعة مقاومة، أو كفرد مقاتل، حالة يومية مستمرة، بكافة أشكالها، الفردية والعائلية والحزبية والمنظمات الاهلية وغيرها.
دون قرار مسبق من قيادة عسكرية وسياسية، ينفذ فردٌ فلسطيني عملية دهس أو طعن بالسكين، بعدد من جنود الاحتلال والمستوطنين، ليحدث لحظة أمنية هامة تخترق كل محاولات الاحتلال لتطويق عمليات المقاومة ومنع ظهورها لدى الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، ولما تملكه من تأثير على الداخل الإسرائيلي على المستوى الاجتماعي والعسكري.
تكمن أهمية العمليات الفردية بأنها بمدى جغرافي غير محدد، فعملية الدهس الأخيرة في تل أبيب كانت بجانب مقر أمني، وللمدن الرئيسية ميزة هامة كونها في قلب المنظومة الأمنية، فحين تصبح التجمعات السكانية الكبيرة، تحت القصف من السماء بصواريخ المقاومة، ومن الأرض بعمليات فردية استشهادية، تخسر تلك المدن ميزتها بالأمن والاستقرار، لتصبح معرضة لاختراق دائم.
ويأتي القرار الفردي أكثر إرباكاً بالنسبة للاحتلال، لصعوبة اكتشافه كون التركيز الأمني على الفصائل المقاومة لتتبع عناصرها، ولكن كيف يمكن لجهاز الاستخبارات اكتشاف أن شخص يقود شاحنة اتخذ قرارا بقتل مجموعة من الجنود؟. تحاول وحدات الأمن الإسرائيلية مراقبة الفلسطينيين لمنع تنفيذ العمليات، عبر رصد مواقع التواصل الاجتماعي والاتصالات والتحقيقات مع الأسرى.
تحقق العمليات الفردية خسائر لا تكون بحسابات الإسرائيليين، ففي القتال على الجبهات يكون العدد متوقعا لعدد القتلى والجرحى في المواجهات الميدانية المباشرة مع المقاومة، أما في داخل المستوطنات فلا يكون الأمر ضمن الاحتمالات الواردة في الخسائر. وتخلق العمليات الاستشهادية، خوفا وقلقا لدى المستوطنين، فرغم الآلة العسكرية القاتلة، والكاميرات المنتشرة على كافة المداخل والشوارع، والقرارات الإسرائيلية في هدم بيوت منفذي العمليات وملاحقة المدنيين والتضييق عليهم في التنقل، لم تستطع كل الإجراءات التي تعود لأكثر من عشرين عاما، أن تمنع الفلسطيني من تنفيذ عمليته. ولا يكون أمام بن غفير إلا النزول كل مرة إلى مكان العملية، والدعوة إلى تسليح المستوطنين، دون التمكن من القضاء على العمل المقاوم.
تلعب التوصيفات للعمليات الفردية دورا في تثبيت دورها أو تحجيمه، فمثلا، اعتدنا خلال السنوات السابقة، على استخدام مصطلح “الذئاب المنفردة”، وهو صفة أميركية الأصل، أطلقت على المسلحين الذين ينفذون عمليات قتل بشكل منفرد لدوافع دينية وقومية، فالتوصيف هنا مرتبط بتوصيف لتنظيمات إرهابية، ولا يصح إطلاقه على عمليات المقاومة. كما عمل الاحتلال على إطلاق مصطلح “ارهاب الفرد”، ومحاولة ترويجه.
كون العمليات لا تتم عبر قنوات سياسية، كوجود قيادة عسكرية تتخذ قرارا كما لدى حركة حماس والجبهة الشعبية، فهو يطرح تساؤلات عن السبب التي تدفع فرد فلسطيني أن يتخذ هذا القرار، وهو يدرك أن نسبة استشهاده مرتفعة؟.
أراد الاحتلال عبر الهمجية في قتل المدنيين في غزة ولبنان، أن يقمع نفسيا مجرد التفكير بتأييد المقاومة والمشاركة في القتال، ولكن بعد أكثر من سبعة عقود من الاحتلال والتنكيل بالشعب الفلسطيني، لم ينجح المسار. فعدم إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وازدياد الوحشية الإسرائيلية، وقمع الفلسطينيين ومحاصرتهم في الداخل، وانسداد الأفق أمام العائلات، كلها عوامل تتراكم لتؤدي، حكما، للانفجار بوجه المحتل.