وسام عبد الله
استثمر الاحتلال الاسرائيلي بقطاع الاعلام ما قبل إنشاء الكيان عام 1948، مدركاً أهمية تلفيق الروايات والقصص بهدف تقديم ” السردية الصهيونية ” لتبرير احتلالهم وقتلهم للفسطينيين والعرب، وسعيهم لاقناع المجتمعات الغربية باستمرار دعمهم.
ثيودور هرتزل، منظم المؤتمر الصهيوني الاول في سويسرا وأحد المؤسسين للكيان الاسرائيلي، كان صحفيا، ونشر العديد من المطبوعات، وكتب قائلا “على هذه الصحيفة أن تتحوّل درعاً حامية للشعب اليهودي، وتكون سلاحاً ضد أعدائه “. ومع بدأ التحضير للاستيطان والاحتلال، صدرت عدد من الصحف العبرية ومنها ما زال مستمرا حتى اليوم، مثل ” يديعوت أحرونوت ” و “معاريف “.
ويشير قانون الاذاعة والتلفزيون الاسرائيلي إنّ ” الهدف من الإعلام الإسرائيلي في كافة المجالات، بثّ برامج بالعربيّة لترويض الجمهور العربي داخل أراضي عام 1948، وترويج دعاية للفلسطينيين والعرب عموماً وفق أهداف السياسة الصهيونية، إضافة إلى بثّ برامج خارج حدود إسرائيل لتحقيق أهداف الصهيونية، والدفاع عن السياسة الإسرائيلية..”.
على المستوى العربي، يعمل الاحتلال على بثّ رسالته إلى المتلقي العربي، بلغته العربية، عبر حضوره على الفضائيات العربية وإنشاء الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بهدف محاولة خلق ” مساحة مشتركة من القيم ” لكسب الشارع العربي لصالحهم وإبعاده عن القضية الفلسطينية، وتحديدا فيما يتعلق بفكرة أن التطبيع يجلب الرخاء الاقتصادي بينما المقاومة تشكل عبء على الشعوب.
وشكلت المؤسسات الاعلامية الغربية المروج والحاضن الاول للرواية الصهيونية، من خلال استبعاد صورة الابادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ عقود، وتقديم أن الاسرائيلي يتعرض ” للارهاب “، انطلاقا من ذريعة ” الهولوكوست ” بما تعرض له اليهود في اوروبا. وهذا التعاون مبني على الدعم المالي المستمر من قبل رجال أعمال صهاينة وغربيين، تجمعهم مصالح سياسية مشتركة. فالانسان الفلسطيني “غير مرئي” بالنسبة لهم، وكل عملية قصف ليس فيها ضحايا وإنما مجرد “مسلحين”، وهذا خطاب يعطي مبرر القتل لجيش الاحتلال.
وكتبت الصحفية هاجر شيزاف في جريدة “هآرتس ” بعد مشاركتها في جولة نظمها جيش الاحتلال على نقاط محددة في قطاع غزة، بأن “وسائل الإعلام تعهدت رسمياً بتسليم جميع الصور التي التقطها المراسل خلال الزيارة إلى الرقابة العسكرية، وذلك بالإضافة إلى النصوص المصاحبة لتلك الصور “، وهو دليل على الرقابة العسكرية المفروضة على الوسائل الاعلامية.
يضبط الاحتلال العملية الاعلامية في مؤسساته لتبقى ضمن الاطار المحدد لها والتي يعتبرها تمسّ بأمنه “القومي”، لكن على المستوى العالمي استطاعت المقاومة والمتضامنين معها الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي ونقل الصورة الحقيقية لما يحدث في فلسطين، فإن كانت البداية في هذه الثغرة مرتبط بالحرب الاخيرة على غزة، إلا أنها فتحت المجال للبحث في تاريخ هذا الصراع وأسبابه وتبيان التعتيم الاعلامي الممارس على الشعوب.