وسام عبد الله
في مقابلة صحفية أجراها فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، في نهاية العام الماضي، يطالب فيها “بضرورة ضمان المساءلة لمنع استمرار المظالم”، فيما يتعلق بالحرب الاسرائيلية على قطاع غزة. لكن بالنسبة للمسؤول الأممي، فالمساءلة تكون بالتساوي بين الظالم والمظلوم.
فيتأسف تورك على وقوع “قتلى وجرحى” في غزة وخاصة من الموظفين التابعين لمنظمات دولية منها (الاونروا)، لكنه يصف الوضع بقول “ما يحدث في قطاع غزة والضفة الغربية وأيضاً في إسرائيل هو مأساة تؤثر على الجميع”.
وعند سؤاله عن حدوث إبادة جماعية في غزة يقول “سنواصل التوثيق والإبلاغ ورصد الوضع. أشعر بقلق بالغ بشأن خطر وقوع جرائم فظيعة..أشعر بالصدمة بشكل كبيرٍ جداً إزاء اللغة التي تجرد الآخرين من الإنسانية، من قبل حماس وأيضا من الجيش والقادة السياسيين في إسرائيل”.
ومع الانتقال إلى الحرب الروسيّة الأوكرانيّة، يكون التوصيف مختلف، فليس هناك طرفان، إنما جهة واحدة مسؤولة، قائلا “تستمر عمليات القتل والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ولا سيما التعذيب، الذي يحدث كلما تمكنت القوات الروسية من احتلال الأراضي”.
المقارنة التي قام بها المفوض الأممي تعبّر بشكل واضح عن المعايير المتبعة من قبل المنظمات الدولية في التعامل مع الحروب والازمات الانسانية، فهو وصف تقدم القوات الروسية بأنه “احتلال” ولكنه لم يأتي على توصيف مماثل للكيان الاسرائيل. كما أنه لم يذكر ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من انتهاكات داخل السجون الاسرائيلية.
هذه الازواجية دفعت كريغ مخيبر، مدير مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في نيويورك، إلى تقديم استقالته في رسالة اعتبر فيها إن غزة هي حالة مثالية للإبادة الجماعية، وقال “أيها المفوض السامي (تورك)، نحن نفشل مرة أخرى”.
الدول الغربية والمنظمات الدولية، أيّدت قرارات المحكمة الجنائيّة الدوليّة بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واعتبرت أن ما تقوم به القوات الروسيّة في أوكرانيا هو “إبادة جماعيّة”، بينما وقفت هذه الجهات رافضة لقرار الجنائيّة الدوليّة بحق “اسرائيل” وطوال الأشهر الماضية لم تصف ما يتعرض له الشعب الفلسطيني بأنه إبادة جماعية. فبالنسبة لتلك المنظمات، هناك حرب روسية على المدنيين في أوكرانيا، أما في فلسطين، هي معركة بين اسرائيل وحركة حماس فقط، وليس بين الاحتلال وشعب بأكمله.
فُتح باب المساعدات الإنسانية لكييف، وقُدم لجيشها السلاح بمختلف أنواعه، أما في الجهة الفلسطينية، فلم تجبر تلك الدول الاحتلال على فتح المعابر، واكتفت بالكلمات اللفظيّة، ولم تقدم لسكان غزة المساعدات إلا بالقطّارة وعبر الانزال الجوي غير المجدي، كما أن أميركا لم تتوقف لحظة واحدة عن رفد مخازن الاسلحة الاسرائيلية بكل ما تحتاجها لاستكمال حربها.